مقالات متنوعة

د. الصديق الامام محمد : ست عشرة عاما من تاريخ السودان


الذكرى 46 لانقلاب مايو1969
كتب لي احد الاخوان بالأمس يريد تحليلا لبعض المظاهر المايوية التي تطفو على السطح هذه الايام ، حيث ذكّرنا بهذه الذكرى التي نظن ان كثيرا من الاخوة الشباب لم يعلموا عنها الكثير وقد تم الرد عليه بان ما يجتره المايويون من هذا العهد شئ طبيعي لأناس استفادوا من هذا العهد المايوي وعاشوه وشاركوا فيه ، تحليل الموضوع يختلف عن كتابة موضوع آخر ولكن لابأس من المزج بين الاسلوبين للخروج بشي يستفيد منه القارئ (اقتبست كثيرا من مقال لي نشر بعدة مواقع عن الحراك السياسي في السودان 1882-1989).
لتحليل اي موضوع لابد لنا ان نصطحب معنا عامل الزمن الذي يحدد الظروف التي وقع فيها الحدث فما صلح بالأمس ليس بالضرورة ان يصلح اليوم ما لاقاه انقلاب مايو 69م في وقته من تأييد لم يكن مثل ما لاقاه من البغض الذي تركه في نفوس الشعب السوداني بعد سته عشرة عاما من قيامه.
الظرف السياسي قبل مايو
كانت الاحزاب السياسية هي التي تحكم السودان في تلك الفترة فترة الديمقراطية الثانية بحكومة حزبية ضعيفة هشة تكونت بعد ثورة اكتوبر 1964 الى ان ازاحها إنقلاب نميري في 25/5/1969
انقلاب النميري مايو 1969:
انقلب جعفر نميري على نظام ديمقراطي امتد لمدة 5 سنوات فقط من21/10/ 1964- 25/5/ 1969، استولى على الحكم بمشاركه الحزب الشيوعي السوداني والقوميين العرب،، ولكنه انقلب عليهم وفك معهم كل ما يربطه بهم واعدم كل من عاده منهم ، تخلل حكم نميري عد انقلابات خلال ال 16 عاما منها:
1-انقلاب الرائد هاشم العطا
قاده الرائد هاشم العطا في 19 يوليو 1971 مع مجموعة من ضباط ينتمون للحزب الشيوعي السوداني كانوا اعضاء في مجلس قيادة الثورة انقلابا استولوا فيه على السلطة لثلاثة أيام غير أن النميري استعاد السلطة بمساندة ليبية من معمر القذافي وحركة شعبية في الداخل. وقام بإعدام الضباط الذين شاركوا في الانقلاب منهم هاشم العطا وبابكر النور سوار الذهب وفاروق عثمان حمد الله (حيث كانا في طريقهم للخرطوم و اسرهم القذافي في سماء ليبيا ليسلمهم للنميري، حيث كان يعلم سلفا مصيرهم مما يعد نوع من عدم الاخلاق ولكنه لقى أشد من هذا المصير ، فكما تدين تدان ، وقد اعتبر السيد/ عبد الله عبيد في حوار معه في برنامج اعترافات ان ماجرى للقذافي جزاء من الله لما ارتكبه في بابكر النور وعثمان حمد الله وآخرون ) من قادة الحزب الشيوعي السوداني الذين تم اعدامهم أبرزهم سكرتيره العام عبد الخالق محجوب، والقائد النقابي الشفيع أحمد الشيخ والزعيم الجنوبي جوزيف قرنق وزج بالمئات من كوادر الشيوعيين في السجون.( جزء من الشيوعيين كان غير موافق على التغيير بالقوة كما ذكر البعض) أرتكبت في هذا الانقلاب أبشع المجازر والمذابح وهي مذبحة بيت الضيافة الي ظلت لغزا” مكتوما في صدور من عاشوها لاسيما بعض الضباط الذين عاشوها فكثير منهم ابي الا وان يحفظ ما في صدره من هذه الاحداث وعلى رأسهم الضابط صلاح عبد العال مبروك الذي حاورة الطاهر حسن التوم في التلفزيون ولكنه لم يفصح بشي ، نأمل ان نجد شئيا للمرحوم الرائد العماس إن كان له مذكرات عن هذه المجزرة ( قد ذكرت ذلك في مقال لي عن المجازر في السودان )
2- انقلاب حسن حسين
وقع في 5 سبتمبر 1975 وقاده المقدم حسن حسين ومجموعته وهو ينتمي إلى التيار الإسلامي وقد حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص بعد اعتقاله خلال عملية إطلاق نار وكان متأثرا بجراحه حين اعتقاله. وقد كان أغلب عناصر هذا الانقلاب من غرب السودان لذلك سماها نميري بانها محاولة عنصرية
3- انقلاب العميد محمد نور سعد( الجبهة الوطنية) 2/7/1977م
وقع في الثاني من يوليو 1977 بقيادة العميد محمد نور سعد، وعرف في السودان بـ«غزو المرتزقة» حيث حاولت الجبهة الوطنية المعارضة في الخارج وهي تحالف ضم حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، والاتحادي الديمقراطي بزعامة الراحل الشريف حسين الهندي، وجبهة الميثاق الإسلامي بقيادة حسن الترابي، وبمساعدة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. وتم تنفيذ الانقلاب بالتحرك من الحدود الليبية إلى جانب تحرك مجموعاتهم الداخلية من طلبة وجنود في الجيش. وفشل الانقلاب، وتم إعدام قادة الانقلاب رميا بالرصاص وشهدت شوارع الخرطوم معارك قتل فيها المئات أغلبهم من أبناء دارفور. نأمل من الدكتور غازي ان يكتب مذكراته حول هذا الانقلاب حيث كان مشاركا فيه وقد كان مسئولا على الاستيلاء على دار الهاتف
هنالك كثير من المحاولات الانقلابية الصغير والغير موثقة حدثت ولم يتم الافصاح عنها واعدم اصحابها بدم بارد.
بعد ان تحدثنا عن الانقلابات التي تخللت حكم نميري نأتي لاهم الاسباب التي كانت سببا في تأيد الشعب لثورة مايو والاسباب التي قادته لبغضها ، من اهم اسباب تأيد الشعب لانقلاب مايو كما ذكرنا المناخ السياسي الذي كان سائدا وقتها حيث كانت حكومة الاحزاب حكومة هشة وضعيفة ومتناحرة في ما بينها ولم تراع مصلحة الشعب لذلك وجدت مايو ارضا لينه لهذا التأييد إضافة لرفعها للشعارات الاشتراكية البراقة التي رفعتها وتأييد قدرا كبير من النخبة السودانية لها ، لكن لم يمض عليها الوقت حتى بدأت تأكل بنيها واحد تلو الاخر فانفكت من الشيوعيين وقاتلتهم ومع الأحزاب فارتكبت ابشع المجازر في ود نوباوي والجزيرة أبا، صالحت من عارضواها ونكصت وتفقت مع الاسلاميين ونقضت ، الكل ذاق القهر والتنكيل من مايو الشيوعيين ثم الاحزاب ثم اخيرا الاسلاميين حيث زجت بهم في السجون ، بدأت مايو تترنح يمينا وشمالا وتارة بلا يمين وبلا شمال، انجزت مايو في أول عهدها عدة من مشاريع التنمية التي تحمد لها وهي كثيرة لامجال لحصرها، ومن عيوبها انشاءها للنظام الشمولي حيث انشأت نظام الحزب الواحد الاتحاد الاشتراكي السوداني، حيث سيطر على كل مرافق الدولة انشأت جهازا أمنيا قويا استخدمته في البطش والتنكيل بخصومها ( جهاز امن الدولة) لكل هذه الاسباب وغيها الكثير انتفض الشعب في اكبر انتفاضة شهدها السودان انتفاضة 6ابريل 1985م حيث استولى المشير عبد الرحمن سوار الذهب على الحكم بعد الانتفاضة حقنا للدماء ( عندها كان النميري في زيارة الى امريكا) بمساعدة التجمع الوطني ( تجمع نقابات المجتمع المدني) ولكن عيب المشير سوار الذهب كما يقال انه سلم الحكم بعد عام واحد لحكومة مدنية مكونة من مجلس سيادة ومجلس وزراء برئاسة السيد/ الجزولي دفع الله ممثلا للتجمع الوطني عن نقابة الاطباء ، حبذ الكثيرون ان طالت هذه الفترة الانتقالية ولكن خوف البعض من طمع العسكر أدى للرغبة في قصر هذه الفترة ، بعدها جاءت الانتخابات وبدأت الديمقرافية الثالثة برئاسة السيد الصادق المهدي رئيسا للوزراء الى أن جاء انقلاب عمر البشير في 29/6/89 م والي يومنا هذا .
انتحيت في هذا المقال انتحاءا حياديا وقصدت منه أولا وأخيرا المام الشباب بهذه الفترة من تاريخ السودان الحديث حيث امتدت لمده 16 عاما شهد فيها السودان المثير من الاحداث منها الايجابي ومنها السلبي وقد اختلف الكثيرون في تقييم هذه الفترة ( فترة حكم نميري) وانا هنا ليس في مقام التقييم كما ذكرت واترك ذلك للأخوة المتداخلين خاصة من الذين عاشوا هذه الفترة أو الذين يملكون من المعلومات ما يفيد القارئ عنها .