مقالات متنوعة

منى عبدالفتاح : الشرق شرق والغرب غرب


ترك الشاعر الإنجليزي المولود بالهند روديارد كيبلنج (1865- 1930م) هذه المقولة «الشرق شرق والغربُ غرب ولن يلتقيا»، ثم مضى.
وما إن فعل حتى استجلبت هذه المقولة المفتوحة منذ عهود وإلى الآن آلاف الكتابات حولها.
فمن يسارع لإثبات خطلها بسبب أنّ قائلها الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1907م، لم يعاصر تسارع أحداث العالم بهذا الشكل المخيف.
ومن ينظر إلى الشرق والغرب نظرتي مقارنة ليجد أنّه ورغما عن مظاهر العولمة التي جمعت بين الغرب والشرق في الاستهلاك مثلا، إلّا أنّ الظواهر السلوكية الحضارية بالنسبة لنفس الشيء المستهلك تختلف تماما، ما بين الشرق والغرب.
وفي هذه الجزئية يطرب البعض ويحزن البعض الآخر بالتأكيد على حقيقة اختلاف السلوك بين الشرق والغرب.
المستهلك الشرقي هو الأكثر هدرا لسلع غير منتجة محليا ومستوردة من الغرب، بأعلى من سعرها الأساسي، بينما يحافظ المستهلك الغربي على ما ينفقه إزاء سلعة معينة، وليس لديهم قاموس تدخل فيه مثل كلمات التبذير والإسراف.
وعن الخدمات حدّث ولا حرج، وعن الوقت الذي يقيّمه الغربيون باعتباره هو المال نفسه، حيث لا نعرف قيمته ولا نقدّره ويتم إهداره فيما لا يفيد.
أما فيما يتعلق بالخصوصية الثقافية، فنجدها أيضا في طريقها إلى الزوال رغم حرص المجتمعات الشرقية عليها، ولكنها لن تقوى على الوقوف أمام إعصار التغيير الثقافي الكاسح والذي سيحل محل العادات والتقاليد لكل جماعة بشرية داخل حدود دولتها.
وهناك من يرى أنّ هذه الكلمات المعبّرة فقدت قيمتها بتقارب العالم حتى أصبح قرية صغيرة، وبالتطور الهائل في العلاقات الدولية والتسارع في وسائل الاتصالات والتكنولوجيا.
نحن الآن نعيش حالة عصر ما يُعرف بموت المسافة نتيجة لسهولة وسرعة التواصل من أي نقطة في العالم وفي نفس اللحظة.
لا أريد الحديث عن العولمة فقد قُتلت بحثا، ومنذ ظهور المفهوم إلى الوجود، دخلت العولمة وتعريفاتها وتحليلها في كل تفاصيل الحياة ابتداء من موضوعات البحوث المدرسية والجامعية فضلا عن التناول الإعلامي حتى تكونت مكتبة موسوعية شاملة في هذا الموضوع وتجاوزت ما هو مكتوب إلى ما هو واقعي.
ما تنطبق عليه مقولة كيبلنج في نفي التقاء الشرق والغرب يتجسد بشكل آخر في حقائق كثيرة.
أول هذه الحقائق هو الفرق بين نظم الحكم، لماذا لا تنجح نظم الحكم الديمقراطية في الشرق، كل الشرق خاصة الشرق الأوسط.
عندما قامت ثورات الربيع العربي في عام 2011م استبشر الناس بأنّ ما كانت تعانيه هذه الشعوب من ظلم وقهر وفقر وجوع وفساد استشرى بين مفاصل هذه الدول، سينتهي وستتحول بلدان الربيع العربي إلى جنات عدن، نعيمها دائم وعدلها مقيم وقائم على اقتسام السلطة والثروة.
هكذا كانوا يحلمون، ولكن تحول الحلم إلى كابوس ابتدأ بإضرام البوعزيري النار في نفسه احتجاجا وكان يمكن أن يكون قربانا للديمقراطية، ولكن كما هو حادث الآن فقد راح بائع الخضار ضحية حلم الوطن العربي الذي لم يتحقق بعد.
وللمفارقة أنّه في أوروبا قامت حرب الثلاثين عاما في الفترة 1618-1648م، التي اعتُبرت الحدث الأكثر عنفا وتدميرا في التاريخ الأوروبي حتى الحربين العالميتين في القرن العشرين.
وكان ذلك نتيجة انتفاضة دينية محلية في القرن السابع عشر، من قِبل بروتوستانت ضد إمبراطور هابسبورج الكاثوليكي فرديناند الثاني، مما أشعل الثورة المعروفة في ذاك الزمن.
فقد استقطب كل من البروتوستانت والكاثوليك طلب الدعم من إخوانهم في الدين مما أدى إلى دخول القوى الكبرى في ذلك العصر، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا والسويد والنمسا في الحرب.
بالرغم من الاختلافات الواضحة بين الأحداث التي شهدتها أوروبا وأحداث الشرق الأوسط، إلّا أنّ الكثيرين يركنون إلى أوجه التشابه في التفاصيل الصغيرة ويرونها مثيرة للانتباه، لتظل مقولة كيبلنج تشغل بال الشرق وحده بحثا عن الفوارق بينه وبين الغرب والاستماتة من أجل وجود مبررات للقصور.