تحقيقات وتقارير

عمال الكماين … يا القابضين على الجمرة والنائمين بدون تمرة


حبات العرق التي تنزل على وجوههم كأنها تخفف عليهم شمس الصيف الحارقة ولهيب (الكماين) ، فهم يعيشون ما بين (نارين) ..نار شمس الصيف الحارقة ولهيب الكماين، وما جعلهم يعيشون في تلك النيران هي نيران الظروف التي (حرقت) جيوبهم المتهالكة لذلك قرروا ان يحاربوا تلك النيران بلهب الكماين ، ورغم صعوبة عملهم ولكن تلك النيران تنزل عليهم (بردا وسلام) وتنفخ الروح في جيبوبهم ، ورغم قسوة عملهم الشاق ولكنهم يحمدون الله علي تلك النعمة التي جعلتهم قادرين علي ممارستها بعافية (لايكلون ولايملون)،يجلسون تحت كبري حنتوب وبالقرب من البحر، التقينا بهم وحينها كانوا يمارسون عملهم بهمة ونشاط عال ويرددون اغنيات الراحل محمود عبد العزيز بزهو وكما قال ابكر ادم انهم عندما يسمعون صوت (الحوت) لايشعرون بالتعب …
( السياسي) التقت بهم فماذا قالوا ..؟
خليل فرح وحرالكماين
في ذلك الصباح ذهبنا بمعية الزميل عمران الجميعابي مراسل صحيفة السوداني بودمدني بعد تجوالنا في المدينة قصدنا التوجه الي حنتوب التي علي بعد حجر من مدني السني وكنا نردد رائعة خليل فرح وتلك الاغنية الوحيدة في مكتب الاغنية السودانية التي توضح (حر الكماين) والتي يقول مطلعها : في الضواحي وطرف المداين يلا ننظر شفق الصباح قوموا خلوا الضيق في الجناين شوفوا عز الصيد في العساين يلا نقنص نطرد نعاين النهار إن حر الكماين ..
طفل مابين الكماين والمدارس
بوجهه الطفولي المتعب يقوم بترتيب الطوب يبلغ من العمر احد عشر عاما ولكن الظروف المعيشية جعلته يعمل حتي يعول نفسه ويخفف اعباء المعيشة ويوفر قيمة مضافة لاسرته ، علامات التعب تظهر علي ملامح وجهه الذي يتصبب عرقا ورغم ذلك الاجهاد يقابلك ببسمة طفولية تشع براءة يدعي يوسف إبراهيم وبعد ان توقف عن رص الطوب باتقان تام تحدثنا لنا قائلا: انا بعمل هنا مساعد دباش ومهمتي ان اقوم برص الطوب ويضيف: امارس عمل الكماين في فترة الاجازة لاساعد اهلي واطلع مصاريف المدرسة كما قال لنا اما عن عمله فيقول : الحمد لله الشغل تمام التمام ومبسوط شديد وبالنسبة لي العمل ما متعب ويعود ذلك الى انني متعود عليه من فترة وقبل ان نكمل مع الطفل يوسف حديثنا قال بخجل (معليش ما بقدر اقيف اتكلم كتير عشان شغلنا هنا بالانتاج ولو توقفت بحصل علي قروش بسيطة وانا محتاج شديد).
بعدها احترمنا موقفه وتمنينا له التقدم في الدراسة حتي يستريح من عمل الكماين ولهيبها الحارق.
الشغل صعب لكن نعمل شنو..؟
الزبير حسن الزبير شغال دباش وهذه الوظيفة تمر بمرحلتين وهما الاولى نقوم بالحفر وبعدها نقوم بوضع روث الابقار (الزبالة) ونضع بها خرطوش المياه (لنرويها) هكذا ابتدر حديثه معنا وبعدها اضاف: وبعد هذه المرحلة نقوم بدمج (الزبالة) و(الطين) مع بعض والمرحلة الاخرى هي ننتظر (التخمر) وبعد ذلك شرحه لمهنته يضيف الزبير حسن للسياسي قائلا : وبعدها يقوم (الطبلجي) باستخراج الطين من الطربيزة والمعلم يقوم بوضعه في القالب وبعدها اقوم انا (الدباش) بحمله ووضعه في الارض اما عن الشغل فيقول: الحمد لله علي اي حال وطبعا شغلي هنا بالانتاج والعشرة الف طوبة 130 جنيها واحيانا بشتغل خمسة الف وشغل الكماين صعب ولكن في الاخر (دا اكل عيشنا) مافي طريقة نخليهو وعايزة صبر .
مفارقات غريبة
الشغل ماشي معاي مية مية وكل يوم احسن من التاني، هكذا ابتدر ابكر حسن حديثه معانا واضاف ضاحكا: بس الشيء الغريب والمدهش منذ الفترة التي عملت بها في الكماين يمكن ان اكون قمت بانتاج طوب يبني اكثر من (500) منزل ولكن انا ليس لدي منزل (واحد) أليس هذا شيء محزن، ويواصل ابكر في الحكي بحسرة : اصعب شيء الانسان يبني مدينة وليس لديه فيها (غرفة) ولكن في الاخر نسعي لتصليح اوضاعنا المعيشية.
يعمل 40 سنة بالكماين
وكذلك التقينا بشيخ العمال العم ابراهيم الذي يعمل بالكماين منذ فترة طويلة وقال لنا : انا بعمل في الكماين منذ 40 عاما وعن الشغل يقول :الشغل صعب لكن مجبورين نعمل شنو..؟ في النهاية اكل عيشنا ودي مهنتنا الوحيدة لذلك ليس لنا بديل غير ان نصبر عليها.
ابل الرحيل الشايلا السقا
عدد كثير من العمال الذين استطلعتهم السياسي عن العمل بالكماين قالوا انهم ليس لديهم منازل وعلقوا ساخرين نحن مثل (ابل الرحيل شايلا السقا و عطشانا) ولكن رغم عملهم الشاق يعملون وسط جو يسوده المرح والقفشات التي تظهر علي وجوههم كونها تخفف عليهم (حر الكماين)
وبعد ذلك الحديث خرجنا منهم بعد ان رددنا في سرنا رائعة قاسم ابوزيد التي تغنى بها الراحل محمود عبد العزيز (اقمار الضواحي) ولاسيما تلك المقاطع التي تقول: يا القابضين علي الجمرة يا النايمين بدون تمرة أقمار الضواحي النور يصحو على حلم راجع يكتبو قي الفضاء الشاسع يحلموا بوطن واسع أقمار الضواحي أقمار الضواحي النور.

السياسي