عبد الجليل سليمان

متحدون وديمقراطيون


الأحزاب السياسية السودانية (كلها) دونما استثناء، يفتقر أداؤها للخيال لأن برامجها – إن وجدت – غير محفزة لاستدراره.

تُضحكني (الأحزاب) إلى حد أنني أتخذها هزواً و(ألعوبة) أتسلى بها كلما حاقت بي الكُرب واشتدت على الدنيا، فلا أذهب إلى السينما (هو في سينما؟)، ولا المسرح (هو في مسرح؟)، ولا الأندية الرياضية والثقافية (هو في مثل هذه الأندية؟) ولا إلى شارع النيل (هو في نيل حتى يكون له شارع؟) ولا إلى.. وإلى آخره.

ما أفعله هو أن أستلقي على ظهري وأغمض عيني وأستدعي الأحزاب السياسية السودانية وما إن أستغرق فيها، حتى تستغرقني موجات هادرة من القهقهات فيظن بعض من يسمعونها أنني جُننت، فيردون تحيتي بحذرٍ صبيحة اليوم التالي. الحقيقية أنني لست كذلك لم ولن (أجن)، لكن ابتلاني الله سبحانه وتعالى بداء اسمه (متلازمة الوحدة والديمقراطية)، أسأله أن يشفيني من هذا المرض العضال.

هذه المتلازمة هي التي جعلتني رهين التأمل في سيرة الأحزاب خاصة تلك التي تحمل بين ظهرانيها كلمتي وحدة أو ديمقراطية أو الاثنتين معاً. فانظروا معي – أعانكم الله – الاتحادي الديمقراطي، اتحادي مع مين؟ (مع مصر؟).. وكيف هو ديمقراطي؟ هل دأب على انتخاب رئيسه بطريقة ديمقراطية؟، يعني بالعربي كده: هل مولانا محمد عثمان الميرغني (منتخب)؟ وهل للحزب هياكل ومؤسسات ونظم عمل ديمقراطية؟ أجزم أنه لا يملك من ذلك شيئاً، وبالتالي فهو في الحقيقة لا (اتحادي ولا ديمقراطي).

دعه عنك، وتعال إلى آخر، اسمه (حزب الأمة المتحد)، ثم انقلب على قفاك فرط الضحك، عندما تعرف أنه ليس مُتحداً إلاّ مع نفسه، وأنه في الحقيقة مُنقسم ومنفصل عن عن (الأمة القومي)، وبالتالي فهو (لا أمة ولا متحد).

أما المؤتمران (الوطني والشعبي) فلا أعرف تحديداً لماذا أطلقا على نفسيهما هذين الاسمين؟ غير أنني أرجح انهما (استورداهما) من أحزب خارجية ربما من (اليمن السعيد) و(مصر الشقيقة) تأسياً بالمخلوعيْن (علي عبد الله صالح وحسني مبارك) صاحبيْ (المؤتمر الشعبي العام والحزب الوطني)، وهما حزبان ظلا يحكمان البلديْن المذكوريْن عقوداً طويلة دون آيدولوجيا أو برامج.

يقال إن زمن الأحزاب الآيدلوجية ولّى وانصرم، وأن على أي كيان يريد أن يطلق على نفسه اسم (حزب) أن يتوفر على برامج وخطط في المجالات كافة تمكنه من إدارة الدولة بكفاءة عالية، وأن يضع نفسه في خدمة المواطنين، وإلا لن يكون حزباً.

وكي تفعل أحزابنا ذلك، ينبغي إعادة ترميم نفسها وهيكلتها من (أول وجديد) وفقاً للتعريف الحديث للحزب السياسي، ولما يقتضيه العصر ومتطلبات (العصرنة). وإلا فهذه التي بيننا ليست أحزاباً حتى تكون ديمقراطية.