جمال علي حسن

زيادة الأجور.. بشارة أم إنذار


القرار المرتقب بصرف علاوات وبدلات ستزيد أجور العاملين في الدولة بنسبة تصل إلى 30% هذا القرار من المفترض أنه وفي الوضع الطبيعي قرار مبشر ومفرح جداً فالـ 30 في المائة زيادة معقولة و(بتعمل حاجة) كما يقولون.. لكن وفي ظل انفلات السوق وانتظار التجار لمثل هذه الزيادة بفمٍ متلهف لابتلاعها يعتبر الكثيرون أن هذا القرار ليس مبشراً بل نذير عاصفة غلاء تقضي على الأخضر الجديد واليابس القديم داخل جيوب الموظفين.
القرار مخيف لأن الحكومة لم تنجح حتى الآن في تطبيق نظرية التحرير الاقتصادي بالطريقة الصحيحة التي لا تعني رفع يدها بالكامل عن السوق وتركه للفوضى العارمة من احتكار وجشع وغلاء بعضه مبرر وبعضه غير مبرر.
لأن ما يسمى باقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر نفسه به آليات معروفة لحماية المنافسة ومواجهة الاحتكار ومنعه، ويتطور فيه دور الدولة إلى الإشراف والتوجيه والتنظيم ومراقبة النشاط التجاري فضلاً عن أهم شيء وهو تحسين بيئة المنافسة فلا يعقل أن تكون للدولة قوائم لا نهائية من الضرائب والرسوم التي تفرضها على التجارة ثم تنتظر من التجار أن يطرحوا السلع بأسعار معقولة.
وللأسف فإن زيادة الأجور قبل اتخاذ مثل هذه الخطوات وغيرها لضبط السوق، لا تعني هذه الزيادة أكثر من خبر ضمن أخبار الصباح التي تموت في مهدها ليبدأ فصل جديد من الغلاء والتضخم تكون الدولة التي حاولت أن ترسل بشارة طيبة قد بعثت بدلاً منها بقنبلة غلاء تنفجر بلا رحمة في وجه الموظفين والقطاعات الأخرى الأضعف منهم وأسوأ حالاً.
هذه الزيادة في أجور العاملين في الدولة يجب أن تتزامن مع إجراءات اقتصادية تستعين فيها الدولة بتجارب دول العالم في حماية المستهلك من الغلاء الطاحن وانفلات السوق.
أخبار الزيادة تأتي متزامنة مع موسم يستقبله تجار السوق بشراهة كبيرة لالتهام جيوب المواطنين بغير أن تكون هناك أخبار مثل هذا الخبر فما بالك بحالهم مع المواطن بعد أن طالعوا هذا التصريح الصادر من اتحاد نقابات عمال السودان قبل أسبوعين فقط من شهر رمضان المعظم، موسم العبادة لكنه أيضاً موسم من مواسم السوق ومواسم الغلاء الطاحن.
والملاحظ أن اتحاد نقابات عمال السودان لم يتطرق بالاهتمام إلى موضوع الزيادات المتوقعة في السوق بعد زيادة أجور العاملين في حين أن الكثير من الدول بل حتى الدول المجاورة للسودان هناك دور فاعل لنقابات التجار أنفسهم في ضبط السوق وحماية المستهلك، فقبل أسبوعين طالعت خبراً حول ميثاق وقع عليه التجار في إحدى الدول العربية بإشراف من نقابتهم يقضي بالتزامهم من تلقاء أنفسهم بعدم زيادة أسعار السلع في شهر رمضان.
ما الذي يمنع أن يقود اتحاد نقابات عمال السودان مع اتحاد أصحاب العمل اتجاهاً مماثلاً بتوقيع ميثاق مشابه لهذا الميثاق يسهموا به في حماية المستهلك.
أو تقود جمعية حماية المستهلك هذه المبادرة فهي صاحبة صوت جهير و(قلب حار) في هذا المجال.
نرجو أن تكذب الدولة ويكذب السوق توقعاتنا وتأتي زيادة الأجور مبشرة ترفع عن الموظفين جزءاً مقدر من حمل الحياة الثقيل عليهم ولا تكون نذيراً لعاصفة من الجشع المتوحش ترفع ضغط الدم وتفجر أوردة الصبر عند المواطنين.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين