محمود الدنعو

التشدد على ضفتي البحر


من فرط ترديد وسائل الإعلام الدولية لعبارة (التشدد) بالحق وبالباطل، حتى ظننا أنها عبارة لا تكتمل إلا مع الإسلام والمسلمين سواء أكانت بادئة كالـ (المتشددين الإسلاميين) أو لاحقة كالـ (الحركات الإسلامية المتشددة)، بينما توصف الحركات الأخرى التي تعتمد العنف وسيلة للتعبير والتغيير بالـ (الحركات الراديكالية)، ولا ينكر أحد أن هذه الحركات متشددة فعلا في القول والفعل، ولكن التشدد ليس حصريا على الإسلام والمسلمين كما تصوره وسائل الإعلام الدولية من خلال التكرار المقصود لهذا المصلح حتى مع قناعتنا أن هؤلاء ليسوا مسلمين، وأن ما يقومون به من أفعال لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولكن العبارة باتت تعطي انطباعا بأن الإسلام هو المقابل للتشدد أو الإرهاب بسبب نشاط هذه الحركات من جهة، وبسبب تسخير الإعلام من جهة أخرى لحفر هذه الصورة النمطية في ذهن العالم.
ولكن في الواقع التشدد ليس قاصرا على الإسلام والمسلمين كما تصوره وسائل الإعلام الدولية عن قصد وبدون قصد، فحتى العلمانية القائمة على فصل الدين عن الدولة والسياسية أصبحت متشددة ليس في الفصل وحسب، بل التوجس من كل إشارة دينية والسعي إلى محاربتها، وهو يتناقض مع مبادئ العلمانية نفسها التي في جوهرها هي موقف محايد من الدين هي لا تعارض الدين ولا تتدخل فيه، وبالتالي فإنها في أفضل حالاتها تعارض تدخل الدولة والحكومة في الدين.
ويبدو أن الهجمات التي تعرضت لها مؤخراً مجلة شارل إيبدو في باريس، والتي وصفت بأنها أعمال لإسلاميين متشددين، أدت إلى ارتدادات عنيفة في الطرف المناقض وتحولت العلمانية التي تعد المرجع السياسي والفكري للدولة الفرنسية تحولت إلى التشدد، وهذا ما صرحت به وزيرة التربية الفرنسية التي حذرت من (العلمانية المتشددة) في بلد ما زال حظر الحجاب، والقلنسوة اليهودية، وغيرهما من المظاهر الدينية في المدارس يثير الجدل.
وصرحت نجاة فالو- بلقاسم للصحفيين “علينا توخي الحذر بألا يكون لدينا نوع من العلمانية المتشددة في بلدنا، وهذا الأمر يؤدي إلى عكس المنشود بالنسبة إلى الأطفال الذين نريد أن يؤمنوا بالعلمانية”. وقالت فالو- بلقاسم: “في السنوات الأخيرة وصلنا إلى مستويات غير مبررة من التوتر، ما يفسر سوء الفهم المحيط بمفهوم العلمانية، وسبب عدم إيمان بعض الشبان بها”. وأضافت “كيف يمكن لطفل أن ينتمي إلى مدرسة وإلى مفهوم العلمانية عندما يرى والدته مستبعدة من رحلة مدرسية لمجرد أنها تضع حجاباً”.
إذن التشدد على ضفتي البحر، فكيف يمكن العبور إلى السلم والأمن الدوليين والتعايش السلمي بين الأديان والأجناس كافة في هذه الأجواء من التشدد المفضي إلى النفور والكراهية وغياب الحوار بين الحضارات والأديان.