مقالات متنوعة

ابراهيم عثمان : عنزة و لو طارت … اعتقلوها و لو أنكرت


ظل جهاز الأمن منذ لحظة الإعلان عن اختفاء ساندرا فارق كدودة يؤكد ألا علاقة له بإختفائها ، و لو كان قد اعتقلها في ظل الحركة النشطة للمعارضة لتعطيل الإنتخابات لما كان في إعلان اعتقالها ما يسبب له الحرج الذي يدعوه للإنكار، فالساسة من الجنسين يعتقلون في مثل هذه الظروف دون نكران من جهاز الأمن ، و عند ظهور ساندرا التي شكلت مادة نضالية تم استغلالها جيداً في الأسافير بادر جهاز الأمن برفع شكوى ضدها بتهمة الإدعاء الكاذب ، كان أمام ساندرا لو أصرت على الرواية التي روجتها أسرتها أن تذهب للدفاع عن نفسها أمام المحكمة و هناك عشرات بل مئات من كبار المحامين الذين كانوا سيشكلون فريقا للدفاع عنها ، و كان في إمكانها هي و فريق دفاعها تقديم كل الأدلة اللازمة لتبرئتها من التهمة و إثبات صحة إدعائها .
بالأمس اعترفت ساندرا بأنها لم تكن معتقلة و قدمت إعتذارها الأمر الذي خلق بلبلة كبيرة في المواقع “النضالية” ( خاصةً الراكوبة و سودانيز أون لاين )، حيث وجدت أن غالبية المتداخلين يرجحون فرضية ابتزازها من قبل جهاز الأمن ، و ذهب عدد مقدر منهم ( في الراكوبة خاصةً ) إلى أن الإحتمال الأكبر هو أن يكون جهاز الأمن قد ابتزها بقضايا أخلاقية مسجلة ، وجدت أن المناضلين لا مانع لديهم أن يروجوا لمثل هذه الفرضية التي تسئ إلى الدكتورة ساندرا لمجرد أنهم يريدون أن تكون الحقيقة الوحيدة هي تلك التي قضوا معها ليالي نضالية ممتعة ، صُدمت من حقيقة أن المناضلين يفضلونها ساندرا المغتصبة على ساندرا المُستغَلة نضالياً أو الصامتة على الإستغلال النضالي بعد عودتها من المخبأ ، يفضلونها ساندرا صاحبة الملفات التي تصلح للإبتزاز بها على ساندرا المناضلة التي اجتهدت نضالياً و أخطأت أو لم تحسن الإخراج . أقول هذا بفرض أننا نتعامل مع احتمالات و ليس حقيقة قاطعة ، فحتى لو وقفنا معهم على ذات أرضية التشكيك فإن الإحتمالات التي ترضيهم هي الإحتمالات التي تحمل ساندرا عبئا أكبر ، فهم بإتهامهم لها بالصمت و التستر على حقيقة ما حدث لها – مع تفهمهم لدوافع الصمت – تحتاج قصتهم إلى سيناريوهات الإغتصاب و الملفات المحرجة لتجد لها مصداقية . الأمر الذي يضيف إلى ساندرا عبء الدفاع عن شرفها الذي تم استخدامه بميكيافيلية فجة لملء ثقوب قصة الإبتزاز إلى جانب مصداقيتها المجروحة بزعم جهاز الأمن .
أيهما أفضل أخلاقياً : أن تكون فعلا قد قررت الإختفاء لتخدم القضية التي تؤمن بها أو تنفيذاً لقرار حزبي أو حتى لأسباب خاصة ، و كان من حق أسرتها أن تتهم جهاز الأمن فهي ناشطة و في يوم اختفاءها كان هناك نشاط معارض يجعل احتمال اعتقالها بواسطة جهاز الأمن وارداً ، و أنها عندما ظهرت وجدت أن اختفاءها قد تم استغلاله نضالياً بشكل جعل من الصعب عليها أن تهيل عليه التراب من تلقاء نفسها فصمتت أو حتى أكدت ما أُشيع ، أم الأفضل لها أخلاقياً أن تكون قد أُعتُقِلت فعلاً و في أثناء إعتقالها – أو قبله أو بعده – حدث لها – كما يقول المناضلون – ما يجعلها عُرضة للإبتزاز فتضطر للكذب لتنفي اعتقالها و تترك سمعتها نهباً للشائعات بالتشكيك في قصة اعتقالها و في الشئ الخفي الذي جعلها تخضع للإبتزاز ؟
لا مانع لدى بعض المناضلين من أن تمر قصصهم النضالية عبر سمعة ساندرا ، بل إنك إذا تابعت مناقشاتهم جيداً ، ترى بوضوح أنهم يرون أن فائض القيمة النضالي في الترويج لقصة اغتصاب مفترضة لم تتحدث عنها صاحبتها أكبر من الضرر الذي يصيب صاحبتها ، فبالله عليكم ما هي القيمة النضالية الكبرى في قصة اعتقال ناشطة كانت في طريقها للمشاركة في فعالية من فعاليات حملة ارحل ؟ و هل الأذى الذي سيصيب صورة جهاز الأمن بالحجم الذي يجعلهم أن يقدموا شرف البنات ثمناً له ؟ فإعتقال ساندرا إذا ثبت ليس حدثاً جللاً ترتعد له أوصال جهاز الأمن فيضطر لإعتقالها سراً و لتهديدها و ابتزازها ، فالضرر الناتج من ثبوت الكذب و الإبتزاز أكبر من ذلك الناتج من ثبوت الإعتقال ، و لا يستطيع جهاز الأمن أن يضمن ألا يثبت كذبه أو ابتزازه في يوم من الأيام إذا كان الأمر فعلاً كذلك ، مما يجعله على الدوام يخشى من انكشاف المستور ، بينما قصة اعتقالها كانت ستبقى تفصيلة صغيرة في تاريخه ، نعم ليست إيجابية لكنها أقل بكثير في ضررها من القصة الأخرى ، و حتى يكون المناضلون مقنعين فعليهم أن يقدموا قصة مقنعة للإبتزاز لديهم شواهد عليها بدلاً من التحليق في فضاءات الإفتراضات النضالية التي استثمرت في البداية في قصة الإعتقال و تريد الآن أن تستثمر في قصة الإعتذار . الأمر يحتاج إلى حجج صلبة في قلب الموضوع و ليس إلى بكائيات أو هترشات نضالية تحاول أن تصنع قصة متماسكة من لا شئ . لا تلوثوا ثوب الشرف لساندرا لتنظفوا ثوب نضالكم المهترئ ،
عندما كان أدعياء الدفاع عن الغبش يشعلون الأسافير دفاعاً عن بنت العز ساندرا ( و هو دفاع تستحقه في بداية الإختفاء ) كان موسى كجو أحد قادة التمرد ينشر فيديو يهدد الغبش في جنوب كردفان بأنهم إذا أصروا على المشاركة في الإنتخابات ، فإن سلاحهم الجديد الفتاك الذي يقتل و لا يجرح سيعطل الإنتخابات بالقوة ، و نفذت الحركات تهديداتها و حصد سلاحها الفتاك أرواح عشرات الغبش و جرح المئات و لم يقتسم هؤلاء الغبش التعاطف النضالي مع ساندرا !