مقالات متنوعة

بدرالدين حسن علي : الشعر عندما يعبر عن قضية


بمثلما يعجبني شعر المتنبي والمجذوب والتجاني و محجوب شريف والدوش وعلي عبدالقيوم وحميد كذلك يعجبني شعر عبدالعظيم إبراهيم
” جوجوي ” لأنه في شعره يعبر عن قضية ، وعلى الرغم من مفارقته لموطنه نيالا منذ عدة سنوات ، لكنه في شعره يطرح قضية دار فور ، ويضعها في رموش عينيه ، وبالأصح يضع السودان كله في رموش عينيه على الرغم من عدم إنتمائه السياسي وبعده عن التعبيرات الطنانة والأحكام الجاهزة الظالمة ـ فهو يضع الفن في مقدمة إهتماماته ، ويضع الإنسان أيضا في مقدمة إهتماماته ،عبدالعظيم ذكرني بكتاب كولن ولسون ” اللامنتمي ” الذي يبحث عن الحرية ؟
ليس بإمكانك أن تكون شاعرا أو رساما أو موسيقارا أو قاصا أو روائيا أو مخرجا مسرحيا أو مخرجا سينمائيا أو حتى كاتبا دون أن تمتلك الثقافة والموهبة اللازمة .
كنت قد كتبت مقدمة مطولة عن ديوانه الأول” أنين السواقي ” ركزت فيها على شخصيته كشاعر ، وكانت قصائد الديوان باللغة العربية الفصحى ، وهو الآن بصدد طباعة ديوانه الثاني بالعامية ، وما من شك أنه أكثر صعوبة بسبب المفردات المحلية
من المميزات الساخرة التي تنفرد بها اللهجة السودانية هي إطلاق أسماء على اشياء لا تسمى عادة، مثل ما يقوله عبدالعظيم ” دانقاية العمدة ” وهي بلهجة أبناء دارفور والمقصود بها المكان الذي يلتقي فيه العمدة بعامة الناس ، مثل ديوان العمدة .
وهناك أيضا ميزة المؤثرات الصوتية والحركية ، وقد إستغرقنا وقتا طويلا في كلمة ” دانقاية العمدة نضحك كثيرا حولها ، إستمعت وقرأت الكثير من قصائده ، خاصة قصيدته “دانقاية العمدة ” التي ألقاها في إحتفائية ” المنبر السوداني الكندي للسلم والديمقراطية ، كما إستمعت لقصائد أخرى كشفت وأكدت الثقافة والموهبة ، ولأنني صحفي مشاغب فقد كنت أتابع كاميرات التصوير” المشاغبة ” التي تؤكد ما كان يقوله الفاضل سعيد ” أنا ما بقول للأعور إنت أعور لكن بقول ليهو عينك واحدة ما كويسة !!!” .
دانقاية العمدة
حِلِيلْ البَلَدْ الكَانَتْ نَايمَه فَتَحَتْ عِينها
وشَافَتْ كُل مَصَايِبْ الدُنْيا السَبعَة
أنظروا هنا للإستخدام اللغوي الرصين ل ” مصائب الدنيا السبعة ” ولكنه في مكان آخر يقول ” عجائب الدنيا السبعة ”
إتلمُوا …
فُوقْ دَانْقَايَة* العُمْدَة
وشِربُوا المُويَة الفُوقْ رِجّْلايَة الفُولَة
الفُولَة العِطْشَتْ …
القِرْبِة اليِبْسِتْ فُوقْ العُوُدْ
العُوُدْ الشِعِبِّة … الشِعِبِّة المَايِلِة
عيال الحلة
الخَلّْوا قِرَايْة الخَلْوَة وَكَسَرُوا اللوح
جِنْيَات العُمْدَة
وكُل حُوْار الشيخ المَقْدُورِين
الخَلُّوا تُرابْ الوَاطَة السَمْحَة
وَلِعِبْ الطِين
شَالوُا النِبْلِة
شَالوُا النِبْلِة
وكَاسُوا دِرِيبْ الطّْير الشَال القِبْلِة
سَافَرْ غَادِى وصَدّْى صَعِيدْ
والجِنْيَات السَوّْا كِليوَات
الدَرِب المَاشِى عَدِيْل
إتْفَرَقُوا…
والبَلَدْ الكَانَتْ نَايمَة فَتَحَتْ عِينَها وشَافَتْ
أبْرِقِّيعْ وَصِقِير البُوْش
والبُوُمَة المَرَقَتْ مِنْ الضَّلمَة
فَتَحَتْ عِينَها وَصَرَّتْ عِيْن
وَرِضْعَتْ مِنْ ضِرْعَات البَقَرَة المَاتَتْ فُوقْ الطِينْ ..
البَقَرَة الدَارِه .. الرِضْعَتْ مِنْ ضِرْعَاتْهَا عِيِالْ البُومَة
والبَلَدْ الكَانَتْ نَايمَة فَتَحَتْ عِينَها وشَافَتْ
شَافَتْ الشَرْتَايِة ووَدْ العُمْدَّة
وباقي عقاب الناس الرَفَعُوا المَصْحَف عَالِى
وسَرَقُوا العِيش مِن بِيتْ النَمِلْ
الحَارِى عَشَاةُ وَبَاتْ مَغَبُونْ
والعَسْكَر واقِف طَابُورْ
فِى جِيْبُه سَبْعَة لَفّْاتْ
هكذذا هو يلعب بالرقم ” سبعة ” مصائب وعجايب ولفات ….
نُصْ اللفَة الواحدة تَسَوِّى عَجَايِبْ الدُنْيَا السَبْعَة تَجِيبْ المَافِى
والمُتْكَفِى لعِرسْ الزّينْ
رُبُعْ اللفَة تَقَضِّى حَوَايِجْ النَّاسْ المُحْتَاجِينْ
والرُبْع التَانِى عَشا الضِيفَانْ
وفيما يلي اللفات :
واللفَاتْ السِتِة البَاقِيِة تَكَفِّى الصَحَة
والتَعْليِم .. البِتْرُولْ والدَّهَبْ المَارِقْ
وتَكْسِى عِيالْ الحِلَّة ال .. في المَايقُومَا صَبَاحْ العِيْد
ولفَة تَفَضِّلْ
للحَوَّاشَاتْ والإسْتِيطَانْ والأمْن الفَالِتْ فِى دَارْفُور وَجِبِالْ النُوُبَة
والبَلَدْ الكَانَتْ نَايمَة فَتَحَتْ عِينَها وشَافَتْ
شَافَتْ المَطَرَة الرَشَّتْ فِي الكَمَدُوبْ والبَلْدَة* البُورْ
عِيْش الرِيفْ والعُنْكُولِيبْ
وكُلِ دَليبْ الخُورْ الشَايِلْ والمَارِيقْ
التِيْرابْ والعِيشْ البِذِرِة
والزِيرُوعَة القَامَتْ وِلْدَتْ سَبْعَة رِجِالْ
وطَرَدُوا الكَلْب الجَاهُمْ حَلَبْ النَاقة
وسَوُا عَيِزُوْمَة فَرَحْ النَّاسْ الغَلبَانِينْ
وعِرْس الزَّينْ الكَانْ مَكْتُول
فُوقْ حُوشْ العُمْدَة
تَمَّ تِحِتْ دُوْمَايَة الشِيخْ وَدْ حَامِد
دروس في الأدب وفي كيفية إستخدام اللهجة المحلية وتقريبها للناس : كليوات ، الكمدوب وعالم من الجنون الأسطوري وشعر خرافي يحكي مأساة دارفور بصوت سوداني واضح وقوي وهذا ما يعجبني في شعره ْ، إرتباط الإنسان بالأرض والوطن والناس ، معاناتهم ، فقرهم ، جوعهم ، خوفهم ، ضياعهم وألمهم المتزايد ، ومع ذلك يصمدون ويقاومون ، وكما قال شاعرنا عمر الطيب الدوش :أهو لسه ناس تعرس وتنبسط ، إنه : عرس الزين الكان مكتول فوق حوش العمدة !!!فهل هناك من تورية أبلغ من هذا ؟ لاحظوا معي كيف : الطيب صالح وعمر الدوش وعبدالعظيم جوجوي يستخدمون ” أسطورة ”
العمدة !
هل أستطيع أن أقول شاعر فحل ؟ أم أقول شاعر رقيق ؟ يبدو ذلك !