عبد الجليل سليمان

تشكيلة “حركية” قديمة


وتشكيلة التي أعنيها هنا ليست تلك التي بمعنى مجموعة منتقاة من الأفراد اختيرت لإنجاز أو تنفيذ عمل محدد أو خطة ما، ولا هي تلك (اللغوية) التي تُعنى بضبط حروف الكلمات فترفعها وتنصبها وتجرها، وتُسكنها. وإنما أعني بها تشكيل الصورة بمعنى تلوينها وتخطيطها بأسلوب يوهم الناظرين بجِدتها وحداثتها، بينما في حقيقة الأمر فإن قالب (اللوحة) أو هيكلها بمعنى بنيتها الأساسية تظل كما هي دونما تغيير أو ترميم.
ما أعنيه ليس تشكيل الوزارة الجديدة التي لم تحدث فيها أي اختراقات حقيقية ولا مفاجآت، حيث إيلا، كاشا، عبد الرحيم محمد حسين، غندور وموسى، إبراهيم محمود، بدر الدين محمود، بحر أبو قردة، ياسر يوسف، عبد الرحمن ضرار، مشاعر الدولب،… وإلى آخر القائمة. وفي ما عدا بعض الولاة وقليل جداً من الوزراء استعيض عنهم بوزراء وولاة كان يتسنمون مناصب من قبل، فمثلا (عبد الحميد موسى كاشا) لا يمثل وجهاً جديداً لا في الولاية ولا في الوزارة، وكذلك (ميرغني صالح) والي القضارف الجديد كان والياً سابقاً على الشمالية.
ما حدث محض تشكيل حركي جديد لحكومة قديمة، والتشكيل الحركي اصطلاح يستخدم في المسرح ويسمى بالميزانين أو (mise – en – scene)، ويعني وضع المشهد على الخشبة بمعنى البحث عن طريقة بنائية إنشائية يستطيع المخرج من خلالها تشكيل الصورة الفنية بوساطة عناصر التكوين التشكيلية في فضاء العرض المسرحي ليعبر بها بصريا عن مضمون العمل الدارمي وللتشكيل الحركي جماليات خاصة يعمل فيها الزمان كما تحلله النظرية النسبية.
ويتضمن التشكيل الحركي يضاً الفعل المشاهد (عياناً) على الخشبة، وأعني به الفعل الذي يعتمد عليه المخرج في تصميم المشهد وتكوين عناصره التشكيلية ضمن بنى تعبيرية تمثل الدالة البصرية للعرض، وعليه فإن تحليل التشكيل الحركي لا بد من ارتباطه بعمق الفن أي فن حتى ولو كان (فن الممكن)، حتى ينعكس بدوره على المنجز الأخير.
هكذا بدا (المشهد السياسي) الراهن بالنسبة لي ولكثيرين مثلي، محض تشكيل حركي لوزارة قديمة، مثلما (تُشك الكوتشينة) ليُعاد توزيعها على ذات اللاعبين. للأسف الصورة الجلية والمصقولة، هي ذات الصورة القديمة، تُعرض كل مرة بطريقة مختلفة، يُغير (القشي بحرجلي) بحسب الحساسية اللونية النسوية الجديدة، وتبقى الخلفية سوداء لامعة. فأين المفاجأة؟ أين هي في هذا التشكيل؟ حقيقة لا أراها، أصغيرة هي إلى هذا الحد الذي لا ترى فيه بالعين المجردة؟ أم ستقولون لي إن عين السخط لا تري إلا ما تريد!
على كل حال، لست من الذين كانوا يتوقعون مفاجآت ثقيلة الأعيرة بحجم تعيين (محمد مختار الخطيب) وزيراً للخارجية، أو (إبراهيم الشيخ) للداخلية، لكنني بُهت عندما لم أجد فيها (ولا حتيتة) مفاجأة، فبلغت بي الحساسية تجاه هذه الكلمة شأواً جعلني كلما سمعتها أتحسس مسدسي.