عبد الباقي الظافر

حلاق الوزير..!!


استغرب الوزير السابق من الحلاق الجديد ..ثرثار جداً ولكنه صارم في التعليمات..تلك المرة الاولى التي يجد فيها الوزير السابق من يأمره ثم لا يجد غير الطاعة ..في البداية فكر في الاستغناء عن خدمات عم صابر ولكنه كان يزوده بأخبار المدينة ..كان الحلاق بالنسبة للسيد الوزير مثل (المرايا) التي أمامه تمنحه الحقائق كما هي ..الأهم من ذلك أن عم صابر كان يجهل حقيقة الرجل ذو الرأس الضخم..كان بالنسبة له واحد من الزبائن الذين يطلبون خدمة خاصة بمنازلهم ثم يجزلون العطاء.
سرد صابر حكايته بين ثنايا الثرثرة..عم صابر عبد التواب كان نابغا في الدراسة ولكنه ترك المدرسة منذ الوسطى ليعين والده الحلاق البسيط في تربية أشقائه الصغار..نجح الأشقاء فصار منهم المهندس والطبيب والقانوني..نجحوا جميعا ولكنهم نسوا شقيقهم الأكبر الذي ورث المهنة ..تفرق الاخوة بين المهاجر وتركوه يرعى والدتهم المسنة ..كانوا حينما يصلون الخرطوم في مناسبات عامة يخجلون من مهنة شقيقهم الأكبر ..كان صابر يضحك حينما يطلبون منه إغلاق صالون الحلاقة والبحث عن مهنة أخرى..يلوح صابر بالمقص امام شقيقه الجراح وهو يردد لا فرق بيني وبينك يا دكتور.. كلانا يستخدم ذات الآلة.
الوزير لم يملك الشجاعة في رواية حكايته.. كان رجلا شريفا..بدأت مصيبته بعد أن خرج من الاعتقال السياسي..المصالحة الوطنية جعلته وزيرا..منذ اليوم الاول بدأ أنجاله يضغطون عليه..استعصم بالرفض في البداية ..تحت إصرار كريمته الصغرى كتب كلمة تصدق بالقلم الأخضر ..كانت الهدية الاولى عربة صغيرة وأنيقة وجديدة…ثم انفتح الباب ..بفضل القلم الأخضر اصبح الوزير ثريا..الثروة انتقلت الى الأقارب والأصدقاء والمعارف.
حينما زار الوزير لندن العام الماضي وبعد نهاية الزيارة الرسمية مر على احدى المشافي لإجراء فحص طبي عام ..الطبيب الانجليزي طلب منه البقاء لمدة شهر وطلب مزيدا من الفحوصات..مع كل فحص تزداد وتيرة القلق ..في اليوم الاخير أخبره الطبيب انه مصاب بسرطان في الأمعاء ولكن المرض استشري في كامل الجسد ..بعد ان ضرب الطبيب على الالة الحاسبة اخبره لن تعيش أكثر من ستة عشر شهرا.
بدا الوزير يتأهب للرحيل .. استقال من المنصب الوزاري ..حصر الثروة التي بين يديه بغرض التحلل من المال الحرام..حينما طلب من أبنائه وبناته ان يحذوا حذوه اتهموه بالجنون ..مضت زوجته الى المحكمة برفقة احد أبنائه ليحجروا عليه..كسب الوزير الحكم حينما اثبت انه في كامل وعيه وتمام عقله.
قرر الوزير ان يستعين بالعم صابر في توزيع الثروة الضخمة..بعد ان تعمقت العلاقة بات يكلف صديقه الحلاق بالطواف على المساجد ليوزع عليهم الصدقات ..اجتاز صابر كل الامتحانات وكسب ثقة الوزير..قبل الموعد المقرر بشهر لرحيل الوزير مضى الرجلان الى المحامي وكتب الوزير تفويضا لصديقه الحلاق ليتصرف في أملاكه.. قرر الوزير ان يسافر الى الأراضي المقدسة ليموت في المدينة المنورة.. طلب من عم صابر ان يأخذ عشرة بالمائة من الثروة ويتصدق بما تبقى من المال في أوجه الخير.
مر الموعد المحدد ولم يمت الوزير ..شهر واخر ثم شهور والوزير يستعيد قواه..حينما مضى الى احد المشافي أخبره الطبيب انه قهر المرض ..الخلايا المصابة بالسرطان تستعيد عافيتها..انهم كاطباء مندهشون لهذه المعجزة،
عاد الوزير الى البلد مقيما مع صديق من زمن الصدق..في اليوم الثاني مضي الى صالون عم صابر في طرف السوق..وجد مكان الصالون برج متعدد الطوابق..لافتة ضخمة مكتوب عليه شركة صابر للاستيراد والتصدير..راجع سجلات الأراضي ووجد كل الأملاك باسم صابر وأسرته الصغيرة ..عندها بدأت ضربات قلبه تدق بوتيرة متزايدة ..قبل أن يصل للمشفى كان الوزير قد فارق الحياة.