أبشر الماحي الصائم

عندما يفشل الكاتب يرسم


* بينما كنت أتجول في فضاء القنوات اللا متناه بحثا عن (ملاذ آمن) هروبا من الضروب السياسية، وأخبار الموت والتفجير التي ترزح تحت وطأتها منطقتنا العربية من المحيط إلى الخليج، إذا بي أعثر على حلقة مدهشة بفضائية أمدرمان تحت عنوان (ضد النسيان)، يدير بامتاع فيها الأستاذ حسين خوجلي دفة حوار شفاف مع شيخ علي وسبدرات وكابلي، بعيدا عن السياسة قريبا من أدبيات الشعر والثقافة وذكريات الجامعة والمنابر والأفكار و..
* لم أملك ساعتها إلا أن أرسل رسالة هاتفية عاجلة وموجزة إلى الشاعر عبدالباسط سبدرات بأن يلتحق على وجه السرعة بقناة أمدرمان، رجع لي سبدرات (رجوع القمرة لوطن والقماري) بعد نهاية الحلقة بقولته الأثيرة (الله يكرمك يا أبشر)، لوﻻ رسالتك لما انتبهت وكنت (طافش في الجزيرة)، قد أعدت لي أياما زاهيات، ثم سألني، (تفتكر الحلقة دي قبل نيفاشا أم بعدها)، قلت له واضح من خلال الحوار أنها قبل نيفاشا، وذلك قبل أن تسعفه الذاكرة فيعود ويقول لي، نعم لحظتها أنا كنت وزير الثقافة والإعلام و.. و..
* لما كان ينزل الوزير سبدرات من آخر وزارة، سألناه، كنت يومئذ برفقة الزميل عزمي في حوار صحفي جريئ، سألناه إن كان حزيناً على فراق الوزارة، فقال: لقد تقلدت معظم الوزارات ولم تبق لي إلا وزارة الثروة الحيوانية، ثم استدرك بقوله وهو يومئذ القانوني صاحب المرافعات الجهيرة، لو لم أفعل طيلة وزارتي إلا أن أخرج طه القرشي من مستشفى الدويم، وهو يرقد طريح مرض البلهارسيا، لكفانا ذلك كسبا أمام الله والشعب، يذكر أن تغييرا في المنهج التربوي قد حدث على أيام وزير التربية سبدرات، ألغيت بموجبه تراجيديا (محمود الكذاب وطه القرشي مريض وحليمة بائعة اللبن)!! وكنا أيضا قد سألنا سبدرات إن كان يخشى دعوات المحاسبة التي تطلقها بعض الأصوات حالما ذهب حكم الإنقاذ، فرد علينا بقوله “هنالك فرقة بين سلة السكين والضبح” !!
* ومن طرائف كابلي في هذه الحلقة التي يعود تاريخ تسجيلها إلى ما يقارب العقد من الزمان، قال لما عدت من مروي أنتجت أغنيتي (فيك يا مروي كل جميل)، ثم فوجئت بأن طبيبا يدخل مكتبي بتسجيلات المحاكم. ويقول لي: ما الجديد الذي رأيته في مروي؟! يقول كابلي، فعرفت أن هذا الطبيب قد خُيِّر بين عدة مدن سودانية، ليقضي فترة الامتياز، فاختار بناء على أغنيتي مروي !!
* أذكر تماما في مثل هذه الأيام من العام الفائت كنت قد أجريت لقاء مع سبدرات بمنزله بضاحية أركويت بالخرطوم لصالح برنامجي الإذاعي مواسم، كانت دموعه تلتمع تحت ضوء لمبة النيون وتحت تأثير قصيدته (في حضرة طه أعترف)، فحكيت له قصة الشهيد الزبير ذات عمرة، قالوا له أنظر إلى ذلك الرجل الذي يمسك بأستار الكعبة، وهو يبكي بكاء مرا، ونحن ﻻ نبكي، قال الشهيد “كل زول يبكي قدر ذنوبه”!! فيلتقط سبدرات قفاز الحديث ويقول، تندهش الآن وأنت تجد أحدهم يدفن أمه ثم يعلن انتهاء مراسم العزاء بانتهاء مراسم الدفن، (التقول دفن ليه كيبل)!!