رأي ومقالات

أزمة التنمية في العالم العربي .. أين الخطأ ؟


لاشك أنه لا أحد يماري أن جميع الدول العربية تعاني من أزمة في التنمية حتى تلك التي تسجل معدل نمو عالٍ، ذلك أن النمو مؤشر غير كاف لحدوث تنمية مستدامة. يدل على ذلك رؤيتنا لكيف انخفضت معدلات النمو بصور درامية بمجرد تهاوى سعر المشتقات النفطية في الدول ذات الاقتصاد الريعي . فقد مضي إلى غير رجعة ذلك الزمان عندما كان مخططو التنمية يعَرفونها بكونها مُكنة الاقتصاد القومي على توليد زيادة سنوية في الناتج الإجمالي القومي تتجاوز نسبة نمو السكان.
فالتنمية صارت تُقاس بقدرتها على أحداث تحول جوهري في وسائل الانتاج ووسائطه وتركيبة العمالة وأوضاعها العامة وتزايد مساهمة الانتاج الصناعي وقطاع الخدمات في الاقتصاد القومي تزايداً يسحب العمالة من القطاع الزراعي البطيء النمو والمتخم بالعمالة إلى القطاعات الصناعية سريعة النمو، فيما يُعوض القطاع الزراعي بالميكنة والحزم التقنية ليحقق تسارعاً ملحوظاً في الانتاج. وبهذه المعايير فان الدول العربية جميعاً لا تتوافر فيها هذه المؤشرات لقياس المعدل الحقيقي للتنمية. والقليل منها قد حقق نمواً كمياً وذلك بفضل عائدات الإقتصاد الريعي النفطي والمنجمي . بينما ظلت أوضاع البطالة والعمالة مؤشراً على الفشل الذريع سواء كانت هذه العمالة محلية أو وافدة وظلت أوضاعها الصحية والتعليمية وتنمية قدراتها ومهارتها تشهد بالنسبة المتدنية في هذا المؤشر لقياس التنمية . كما ظهرت الفروق الشاسعة في الدخول وفي مستويات المعيشة بين السكان. ولم يتمظهر هذا النمو في غالب الدول في مستويات متميزة من الرعاية الصحية والتعليم والرفاهة العامة كما لم يتبدَ في تطور القوى العاملة ومستوى انتاجها. أن المعنى السائد للتنمية أصبح يضع مُعولاً كبيراً على فكرة “إعادة توزيع العائد من النمو” ليس فقط لتحقيق العدالة والانصاف الاجتماعيين بل لتحفيز الانتاج ومضاعفته أضعافاً كثيرة ونظرة واحدة على عالمنا العربي تنبيك عن معاناة قطاعات كبيرة من السكان من الفقر والبطالة ومفارقات هائلة في توزيع الدخول والأحوال المعيشية.
أسباب الأزمة :
لاشك أن الأزمة تطرح أسئلة عديدة قد يتعسر الرد الشافي عليها ولكن يجب إلا يمنع ذلك الباحثين من مقاربة الردود . ولا نستطيع أن نستقرىء أسباب الأزمة التنموية في العالم العربي دون نظر كلي للخارطة الاقتصادية المتغيرة في العالم بأسره وتأثير الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية في تعقيدات هذه الأزمة.
أن بلدان العالم الثالث والعالم العربي بوجه خاص ظلت أسيرة أوضاع ما بعد الاستعمار ورهينة اغلال الاستعمار الجديد بما أورثها أحوالها الاقتصادية والسياسية والإجتماعية الراهنة. فمن الناحية الإقتصادية لا يزال العالم العربي في وضع متخلف، فهو لا يزال فى موضع المصُدر للموارد الأولية ولم يدخل عصر الصناعة بعد ، وحتى تلكم البلدان التي ولجت الباب ظلت صناعتها ضعيفة وغير منافسة حتى في أسواقها المحلية. وفشلت بلدان العالم العربي فشلاً ذريعاً في تحقيق تكامل إقليمي فاعل كما فشلت في الدخول إلى قائمة المساهمين بفاعلية في التأثير على النظام الاقتصادي العالمي. ورغم ما يحيط ببعض تلكم الدول العربية ذات العائدات النفطية الهائلة من هالة ثراء إلا أنها ظلت من الناحية الفعلية هامشاً ملحقاً باقتصاديات الدول المتقدمة يستند على التصدير النفطي والمنجمي الريعي، فيما تستند الدول العربية الأفقر على التصدير الزراعي قليل العائد وذي القدرة الهشة على المنافسة في الأسواق العالمية. إن أوضاع العالم الاقتصادية قد قسمته إلى مركز وأطراف بيد أن هذه الأطراف انقسمت هي الأخرى بحسب أوضاعها من حيث التنمية إلى أطراف تتحرك بسرعة اللحاق لتعويض الفروق الشاسعة بينها وبين المركز الأوربي الأطلسي الذى يضم اليابان وتضم البلاد الصاعدة بلداناً مثل الصين وكوريا وأقطار شرق أسيا وأنضم إليها مؤخراً الهند والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا. وأما البلدان الأخرى فهي ليست في وارد اللحاق لأنها في حالة ركود وجمود اقتصادي ووضع إلحاق تام باقتصاديات دول المركز الأوربي الأطلسي مضافاً إليه اليابان. الوضع في عالمنا العربي هو وضع تبعية والحاق لا وضع تنمية ولحاق . ويتوجب علينا القاء نظرة نافذة وفاحصة لإدراك الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع المزري لأمة أريد لها ان تكون أمة خالدة بحضورها وشاهدة بحضارتها على الأمم الأخرى.
تحليل الحالة العربية:
العالم العربي بأسره كان واقعاً تحت رِبقة الاستعمار القديم وإن لم تكن بعض أجزائه تحت الاحتلال العسكري المباشر. وهو في راهنه اليوم يقع تحت ظل الهيمنة الاستعمارية الجديدة مهما رُفع من شعارات ومهما توفرت من إرادات من الناحية النظرية للتخلص من هذا الوضع. فواقع الحال هو واقع تبعية اقتصادية وسياسية للتوسع الاستعماري العولمي الجديد. ولاشك أن للأوضاع الاجتماعية والثقافية أثرها في استدامة هذا الوضع. بيد أن المسؤول الرئيس عن عدم قدرة العالم العربي على التحرر من الهيمنة هي الأوضاع السياسية المفروضة على سائر البلدان العربية باقدار متفاوتة. ولا نريد ان نخوض في تحديد المتغير الرئيس والمتغير التابع بين العاملين الاقتصادي والسياسي فلا شك أن التأثيرات متبادلة كذلك فان الأوضاع من حيث التقدم والتأخر في التأثير متفاوتة ومتبادلة. بيد أن العامل السياسي المتمثل في عدم وجود مشروع وطني فاعل أو عدم نجاح ذلك المشروع هو في حسباني العامل الرئيس في أزمة التنمية في العالم العربي. وما أعنيه بالمشروع الوطني هو “مشروع تحرر” يهدف لإنماء القدرات الذاتية مادية وغير مادية وبشرية لتحقيق الاستقلال الوطني والنمو الاقتصادي الفاعل. والفرق الحاسم بين تلكم البلدان التي نجحت في اللحاق بركب الدول المتقدمة اقتصادياً وتلكم الأخرى التي لا تزال ترزح في التخلف والتبعية يمكن ان يرى في كون الأطراف التي قد حققت اللحاق النسبي بالتقدم الاقتصادي إنما يُعزى نجاحها لكونها أمتلكت مشروعاً للتحرر الوطني سياسياً واقتصادياً. واستطاعت تعبئة قوى المجتمع من خلف هذا المشروع وكل هذه المشروعات قاومت الهيمنة الأمبريالية المسيطرة اقتصادياً وسياسياً . ويظهر ذلك جلياً في حالة الصين وكوريا والهند وبلدان شرق أسيا وامريكا اللاتينية الصاعدة، ومؤخراً جنوب أفريقيا وتركيا. بينما لم يمتلك العالم العربي مفرقاً فى أقطاره أو موحداً في جامعته مشروعاً ولا إستراتيجية حقيقية وفاعلة للتحرر الوطني والقومي ولم ينجز مشروعاً ولا إستراتيجية فاعلة للتنمية المستقلة المستدامة. وكل ما بدأ من مظهر مشروعات تحرر وطني كان استعارة لمشروعات قُدمت لقطاعات الصفوة العربية المسيطرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قبل المراكز الأمبريالية نفسها. وقد سقطت تلكم المشروعات جميعاً بصور متفاوتة ولم تحظ بمقبولية شعبية حقيقية. لم تفلح الأنظمة المحسوبة على القومية العربية ولا تلكم المنسوبة لليسار الاشتراكي انجازالمشروعات التى زعمتها لنفسها. أما النخبة الإسلامية الصاعدة سياسياً فلم تفلح حتى اللحظة الراهنة في بلورة مشروع عملي للفكاك من الهيمنة الاستعمارية، ولتحقيق نظام ديمقراطي فاعل. يحشد قوى الشعوب ويعبئها باتجاه تحقيق التحرر الوطني والتنمية المستدامة. ولا شك عندي أن المشروع الإسلامي بسبب إصالته وشراكته العميقة مع الجماهير الشعبية يمتلك شرعية و فرصاً حقيقية لتحقيق التحام فعلي مع الجماهير الشعبية وقد يصنع قوى دفع هائلة لصياغة مشروع نابعٍ من الضمير الوطني والقومي الشعبي وقادرٍ على تحقيق ما انجزته الشعوب الأخرى التي قطعت شوطاً في طريق اللحاق التنموي. بيد أن هذا المشروع لم يخرج حتى هذه اللحظة من مربع الإمكانية إلى مربع الواقعية. ربما هذا التداول الفكري نفسه بعض أوجاع المخاض الطويل للتوصل لرؤية واضحة ساطعة، ولاستراتيجية واقعية عملية لاحداث عملية التحول الضرورية. وهي عملية تحول فكرية سياسية سوف تقود التحول الإجتماعي والثقافي وتخطط لتنمية اقتصادية متوازنة ومستقلة وقادرة على تحقيق التكامل والاندماج الاقليمي العربي وتكون مؤهلة لتفجير الطاقات البشرية التي شهدت تطوراً ملحوظاً وبالتعليم والدُربة والموارد الاقتصادية التي لا تزال تشكل رصيداً هائلاً للتنمية لإحداث التحول المنشود.
أن العالم العربي في مجمله يمتلك الطاقة القادرة على إحداث هذه النقلة وهي الموارد والرساميل والأيادي العاملة القادرة على إكتساب المهارة والدُربة . ولذلك فلئن كان التحول السياسي الديمقراطي قطرياً قد أصبح شرطاً رئيساً لصياغة مشروع وطني للتحرر والتنمية فان هذا الشرط نفسه هو الشرط اللازم لتحقيق التكامل والإندماج الإقليمي العربي الذي بات شرطاً ضرورياً للفاعلية الاقتصادية في إطار الاقتصاد المعولم الذي صار هو الوجه للراسمالية الجديدة في هذا العصر.
التجربة التركية :
تمثل تجربة تركيا على عهد حزب العدالة والتنمية أنموذجا بارزا لكيفية تحقيق وثبة رائعة فى طريق اللحاق التنموى. ففى عقد واحد من الزمان حقق هذا الحزب مالم تحققه تركيا والبلدان العربية فى عقود طويلة . فاز حزب العدالة والتنمية فوزًا ساحقًا في انتخابات 2002، وشرع في سلسلة إصلاحات في السياسة، والاقتصاد، والسياسة الخارجية، وغيرها من المجالات الرئيسة التي يشار إليها مجتمعة بـ«تركيا الجديدة». وضعت الانتخابات نهاية لتعاقب الحكومات الائتلافية التي شلّت البلاد 11عاما وبعد تولِّي السلطة أواخر 2002، اتخذ حزب العدالة والتنمية خطوات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي. خلال هذه الفترة، وضعت الحكومة لوائح جديدة للنظام المصرفي، بهدف الانضباط المالي وخصخصة المشروعات المملوكة للدولة. أطلقت سياسات الحكومة فترة من النمو المتواصل. في هذه الأثناء، اتخذ حزب العدالة والتنمية تدابير لتعزيز المالية العامة، وزيادة فعالية المؤسسات العامة، وسعى لتجنب الوقوع في فخ الديون. وخلال العقد الذي تولى فيه العدالة والتنمية الحكم، أجرت ثلاث حكومات متعاقبة إصلاحًا شاملًا للاقتصاد التركي الذي يفوق أداؤه حاليًّا أداء دول عديدة تعاني أزمات بمنطقة اليورو من حيث مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي. ولم تكن تلكم الوثبة نتاج اصلاح السياسات الاقتصادية فحسب بل جاءت نتاج حزمة متآزرة من الاصلاحات الاجتماعية والسياسية . فقد كانت الحكومات التركية فى حقبة التسعينيات قد أخفقت في إدراج حوافز فعّالة لخفض البطالة وإيجاد فرص عمل في برامجها التنموية. وصارت البطالة المرتفعة بتركيا تمثل مشكلة مزمنة، خاصة عقب أزمة 2001 المالية، وظهر أن أنموذج النموالتقليدى قدأخفق في تعزيز فرص العمل.. لكن التدابير طويلة الأجل التى أتخذتها حكومة اردوغان، بدأت تؤتي نتائج في السنوات اللاحقة. فبجانب نجاح إدارة البلاد للأزمة المالية العالمية، أتاحت هذه التدابير للبلاد تحقيق معدل بطالة بنسبة 9.3 بالمئة في 2013، و8.7 بالمئة في 2014 وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية– وهي دون نظيراتها بدول منطقة اليورو وبحسب تقدير الخطة متوسطة الأجل، ستنخفض البطالة بحلول 2015 إلى أقل من 8 بالمائة وذلك فى أطار تقليل الفوراق وتخفيض نسبة الفقر.كذلك جرى وضع نظام المساعدات الاجتماعية بتركيا وكلفت عدة مؤسسات ووكالات بتنفيذه من بينها برامج المساعدات الاجتماعية لتقليل تعرض الأسر محدودة الدخل للمخاطر الحالية والمستقبلية المرتبطة بالأزمات الاقتصادية. و أنفق مشروع تخفيف المخاطر مئات ملايين الدولارات بين 2001 و2006 لخفض الفقر، وكذلك لتقوية المؤسسات ذات الصلة بتحقيق هذا الهدف. بل تكفل نظام المساعدات الاجتماعية بكامل نفقات علاج المواطنين محدودي الدخل وقدم مساعدات عينية ونقدية من خلال برامج للأطفال، والطلاب، والمسنين، وذوى الاحتياجات الخاصة . في هذه الأثناء، وفرت الحكومة أموالًا إضافية للوكالات الحكومية التي تقدم خدمات اجتماعية أساسية للأسر محدودة الدخل. جرى هذا فى سياق إدخال الحكومة التركية برنامج التحويلات النقدية المشروطة، وهو نظام دعم اجتماعي للفئات الأقل دخلًا ويستهدف زيادة كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية. كذلك، اتخذت الوكالات الحكومية خطوات إضافية لإتاحة فرص أكبر لمحدودي الدخل للوصول إلى خدمات اجتماعية لتوليد الدخل وإيجاد فرص عمل.
التزمت حكومة العدالة والتنمية بتحسين نوعية الخدمات الاجتماعية. وخصصت الحكومة لوزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية حصة أكبر من حصص الوزارات الأخرى. كما وفر الأداء القوي للاقتصاد التركي أيضًا أموالًا إضافية للسياسات الاجتماعية. وقبل أزمة 2001 المالية، أدى تفاقم التفاوت في توزيع الدخل إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية. وهكذا، اتضح أن المزيد من العدالة في توزيع الدخل مثل أولوية في جدول أعمال تركيا. واعتمدت حكومة حزب العدالة والتنمية برامج للتنمية وهياكل للدعم الحكومي منذ 2002 فصاعدًا لخفض التفاوت بين الأقاليم وضمان توزيع أعدل للدخل في البلاد. في الوقت نفسه، ساهمت تنظيمات تعزيز المنافسة الجديدة، وتطوير أسواق رأس المال، وخفض معدلات التضخم مساهمات كبيرة في سد الفجوة في الدخل. كانت وراء هذه التحسينات بلا شك مظاهر متعددة للتحسن الاقتصادي إجمالًا – كالنمو الاقتصادي الثابت، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي الثابتة، وانخفاض المخاطر، وتقليص مدفوعات الفائدة – وفرت بدورها تمويلًا جديدًا لبرامج المساعدات الاجتماعية. انخفضت حصة مدفوعات فوائد الدين بميزانية الحكومة السنوية إلى 13.4 بالمئة بحلول 2012، مقارنة بنسبة 43.2 بالمئة في 2002. وبالمثل، انخفضت نسبة مدفوعات فوائد الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي من 14.8 بالمئة في 2002، إلى 3.4 بالمئة في 2012. لذا من المهم ملاحظة أن غالبية عوائد الضرائب للحكومة قبل 2002 كانت تغطي مدفوعات الفائدة: ففي حين تم إنفاق 85 بالمئة من إجمالي إيرادات الضرائب على مدفوعات الفوائد في 2002، تم استخدام 17 بالمئة فقط من عائدات الحكومة الضريبية في 2012 لتسديد مدفوعات الفائدة للمقرضين. بالمثل، ساهم النمو الاقتصادي الثابت لتركيا في تطورات توزيع الدخل بما حقق تقدما مضطردا فى تحقيق الانصاف الاجتماعى .من جهة أخرى فان رافعة الاصلاح السياسى الذى عزز مسيرة الديموقراطية والحقوق المدنية والسياسية كان دورها بارزا فى سياق تسريع النهوض والتقدم الاقتصادى .طالت هذه الاصلاحات اصلاح النظام العدلى برفع كفاءته وتأكيد حياده .كما شملت اعادة صياغة دور المؤسسة العسكرية فى الحكم بما يلائم النظام الديموقراطى . وحرصت حكومة العدالة والتنمية على اجراء الانتخابات فى مواقيتها وضمنت لها درجة عالية من الشفافية والنزاهة . ومما لا شك فيه ان اندماج حزم الاصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى هو الوصفة السحرية لنجاح تجربة العدالة والتنمية التنموية خلال عقد من الزمان .

متلازمة السياسة والاقتصاد لتحقيق التنمية:
لاشك أن البيئة السياسية في العالم العربي هي العامل الرئيس الذي يحول دون الخروج من ربقة التخلف الاجتماعي والاقتصادي ونستخدم ههنا مصطلح البيئة السياسية لأننا نعني به معنى أكثر من النظام السياسي بحسب الرؤية الدستورية من (حكومة ومؤسسات دولة) بل نعني مجمل التفاعلات والعلاقات والأدوار السائدة في الثقافة والممارسة الاجتماعية والأطر السياسية التي تتصل بتصور مفهوم السلطة وممارستها في مجتمع ما . وهذه البيئة السياسية تشمل الجماهير والنخبة الحاكمة والنخب المعارضة، وما ينجم عن الاثار الأقليمية والخارجية على الوضع السياسي العام. وبهذا يتوجب علينا أن نفهم الظاهرة السياسية بوصفها نتاج وضع متشابك في أنماط التصور والسلوك والتأثيرات المتبادلة والأدوار المتداخلة في مجتمع ما. وهي حالة ديناميكية متغيرة بأثر متغيرات داخلية وخارجية.
وبالتأمل في حالة البيئة السياسية في العالم العربي أقطاراً أو أطاراً قومياً فان حالة التخلف السياسي للبلاد ظاهرة للعيان. ولا غرو ان يكون التخلف الاقتصادي هو الصنو التوأم لهذا التخلف السياسي. وأبرز مظاهر هذا التخلف السياسي هو إساءة استخدام السلطة من قبل الجميع، وعلى رأس هؤلاء النخبة الحاكمة والمعارضة وأصحاب النفوذ من رجال المال ورجال الدين ورافعو لواء الايدولوجيات الفكرية. وأصحاب وقادة المؤسسات الاعلامية وزعماء العشائر والقبائل وكل من له سلطة أو نفوذ يُلمس تأثيره في تحديد السلوك في ساحة الفعل العام. ممارسة السلطة في العالم العربي في راهنه الماثل عريقة في فكرة الاستبداد فكل هؤلاء يُمارسون الاستبداد كلُ حسب مدى وقوة وشدة تأثيره في الساحة العامة. وقليل من هؤلاء من يدرك أن الأمرالعام هو حق لعامة الناس وأنه لا يجوز الاستبداد به سواء كان المرء زعيماً سياسياً أو دينياً أو قبلياً أو كان قائداً فكرياً أو أعلامياً. أن النظرة الدونية للجماهير ووصفها بالدهماء أو بالجماعة الصامتة المنسية هو أُس البلاء.
الأدنوية هي الحل:
أن دفع قاطرة التنمية المتوقفة لن يتحقق إلا بمشاركة حقيقية وفاعلة للشعوب العربية من خلال إستجاشة الثقافة الوطنية والإرادة العامة لتحقيق الاعتداد بالنفس والاعتماد على النفس في تحقيق النهضة والنمو. لقد ظلت النخب في عالمنا العربي هي المسيطرة وهي المسئولة عن حصاد الرماد الراهن . ورغم الحديث الكثير عن الجماهير فأن واقع الحال كان ينبيء دائماً عن نخب منفصلة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً عن قواعدها الشعبية . ولا نقول لقد آن الأوان لهذه النخب ان تتنحى ، ولكننا نقول لقد آن لها أن تتموضع في أوساط الجماهير بحق وحقيقة . ولن يحدث ذلك إلا بمراجعات فكرية جذرية تعيد الإعتبار للثقافة الشعبية والحكمة الأهلية وتضع معولاً كبيراً على المقبولية الشعبية والاسناد الجماهيري للمشروع الوطني. ولئلا لا يكون القول شعاراً لا متنزل له على الواقع فإن اعتماد مبدأ الأدنوية هادياً للحياة السياسية يصبح شرطاً لتحقيق هذا التحول الفكري والسياسي. ونعني بالأدنوية بناء النظام السياسي من أدنى إلى أعلى والإغداق على أساساته الدنيا بسلطات وصلاحيات واسعة، بحيث تتركز السلطة في اساسيات النظام لا في مستوياته العليا. وهذا يعني ان السلطة هي سلطة القواعد تتصرف فيها بحكمتها، وكل أمر يمكن أن يُقضي على المستوى الأدنى يتوجب ان يُخول القرار بشأنه لذلك المستوى . ولا يكون توكيل السلطة لممثلين للشعب إلا للحاجة ويجب أن تتناقص السلطة المخولة لمستويات عليا حتى لا تشمل إلا السلطات التي تقتضي طبيعتها تخويلها لمستويات عليا وتتعذر ممارستها في مستويات أدنى، مثل الأمور العابرة بين الولايات وسلطات تمثيل الدولة السيادية وغيرها مما هو معلوم ومعمول به في الأنظمة الفيدرالية المتوسعة في منح السلطات للولايات والمحليات ومؤسسات السلطة الأدنى. وهذه الديمقراطية الهرمية هي الديمقراطية الواسعة الراسخة القابلة للاستمرار. لأنها ديمقراطية الناس العاديين لا ديمقراطية السياسيين. إن الدعوة للأدنوية هي دعوة لتفعيل الحكم الراشد بتوسيع الشورى وممارسة السلطة أفقياً ورأسياً . وتحقيق مبدأ الرقابة الشعبية والشفافية التي تحقق السائلية والمحاسبة الشعبية لكل سلطة من السلطات وكل مستوى من المستويات، من خلال توازن وتكابح الجهات والسلطات من جهة وتكاملها وإندماجها من جهة أخرى. الدعوة للادنوية هي دعوة لانهاء تهميش الجماهير الشعبية لتقود هي السلطة فتصبح أداة بيد الشعب لا غنيمة بيد النخبة. فحينئذ تتوارى سؤات كثيرة من حياتنا السياسية . وأهم هذه السؤات هي الصراع والتنازع المنفلت من كل ضابط قانوني أو دستوري أو اخلاقي وثانياً أن الفكرة الناظمة للمشروع الوطني ستأتى من تلقاء الجماهير من فكرها وامتثالاتها ومن ضروراتها واحتياجاتها ومن قدرتها على صنع الحياة واستدامتها . وحينئذ ستكون إستراتيجية التنمية قائمة على إزالة الفوارق الشاسعة في توزيع عائدات النمو وكما تتجلى في محاربة الفقر وصنع الرفاهة العامة. ولاشك ان الاقتسام العادل والمنصف لعائدات النمو يولد طاقة هائلة وحافزاً عظيماً للعمل وللانتاج. فليس ثمة حافز للنهضة الاقتصادية مثل زيادة قدرة الأفراد والجماعات على تحسين نوعية الحياة. فكل درجة في سلم الترقي الاجتماعي والاقتصادي تقود إلى درجة أعلى في مسيرة صاعدة مضطردة نحو فك قيود الإلحاق وتحقيق اللحاق بركب الأمم القائدة وهو الأمر الحري بالأمة التي قال عنها الله سبحانه وتعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” صدق الله العظيم.

د.أمين حسن عمر
مراجع :
1التنمية سياسيا فى العالم العربى فارس رشيد البياتى عمان 2008
2 الاقتصاد السياسى للتنمية سمير أمين ترجمة فهيمة شرف الدين دار الفارآبى 2002
3أصول السياسات دأمبن حسن عمر هيئة الاعمال الفكربة الخرطوم 2001
4محمد أنس الزرقا السياسة الاقتصادية والتخطيطفى الافتصاد الاسلامى عمان مؤسسة آل البيت 1989
5محمد عبد المنعم عفر السياسة الاقتصادية فى أطار مقاصد الشريعة جامعة أم الفرى مكة المكرمة1995
6الاقتصاد التركى خلال عقد العدالة والتنمية http://rouyaturkiyyah.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8…

7هانز بيتر مارتن وهارولد شومان فخ العولمة الكويت1998
8ميشيل توادور التنمية الاقتصادية ترجمة محمود حسن حسنى دار المريخ السعودية 2006


تعليق واحد

  1. سبب ازمة التنمية ببساطة هو عندما يجمع الحاكم بين الرئاسة و التجارة و يستخدم الاولي لتنمية الثانية علي حساب افقار الشعب المقهور مثل ما تفعل يا صاحب معاهد و مدارس كيمبردج.