مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : رجال داعش ونسخة شهريار


قبل بضع سنوات قام أري مانديل الذي كان يبلغ من العمر حينها 31 عاماً، من مدينة نيوجرسي ويدين باليهودية بعرض مكانه في الجنة للبيع في مزاد على موقع اي باي على الإنترنت. ولكن الموقع الإلكتروني قام بإزالة المزاد الذي انطلق بـ99 سنتاً ووصل إلى مبلغ 100 ألف دولار، وذلك بإبلاغ مانديل أنّ الأغراض غير الملموسة لا يمكن عرضها للبيع.

ذكر أري مانديل أنّه قام بذلك لأنّه وصل إلى درجة الاعتقاد بأنّه ذاهبٌ إلى الجنة لا محالة. وقد راوده ذلك الاعتقاد بعدما قام بأعمال كثيرة منها الابتعاد عن الخطايا عبر القيام بأعمال جيدة وعدم عبادة آلهة مزورة واتباع نظام غذائي نباتي. كما وعد بأنّه سيستمر في اتباع حياة جيدة لضمان بقاء مكانه في الجنة متوفراً لمن يشتريه منه لاحقاً.

قبل ذلك كنت أعتقد أنّ الوعد بالجنة هو حكر على استثمارات بعض التوجهات الإسلامية المتطرفة، وبعض السلطات التي امتهنت تجارة الدين واستخدامه كوصفة رائجة ليوصلهم إلى تسنم الحكم، ثم بعد ذلك ينسون الجنة ويفارقون أحلامهم ووعودهم المبذولة لمن تبعوهم أملاً في الوصول إليها.

تتكرر وعود الجنة بشكل آخر عند تنظيم داعش الذي ما فتئ يوزعها على كل من أراد تجنيده، إلى أن اكتشفت صحفية فرنسية طرق التجنيد هذه خلال عمل قامت به لعدة شهور. وتعدُّ هذه من أبرز الوعود بالجنة التي ظل يقدّمها تنظيم داعش في إطار تجنيد الشباب، بينما يمارس التعذيب ويفتح أبواب الجحيم والموت بأكثر الأشكال وحشية. وهذا هو عين ما قاله “أبو بلال” القيادي في تنظيم داعش للصحفية الفرنسية التي تنكرت تحت اسم (آن إيريل)، حيث طلب منها مغادرة فرنسا والذهاب إلى سوريا لتتزوج به، وأنّ الجنة تنتظرها هناك.

وكانت الصحفية الفرنسية قد أنشأت حساباً وهمياً على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” وتمكنت من التواصل مع “أبو بلال” الذي حاول تجنيدها مع آلاف الشباب حول العالم. وذكرت إيريل أنّ طريقة التجنيد فيها استدراج ذكي، ويخاطب الروحانيات. وهذا العالم ساحرٌ بالنسبة لشباب الغرب كشيء افتراضي، ولكن عندما يخوضون التجربة العملية بالمجيء إلى سوريا للجهاد يكتشفون واقعاً آخر وحياة جحيم لا تمت لوعود الجنة التي يبذلها التنظيم بصلة.

عندما تأكد “أبو بلال” من تمكنه من تجنيد إيريل استرسل معها حتى وصل إلى إخبارها أنّ الله قال لهم إنّ الحياة ليست مهمة، وإنّما هي مجرد مزحة وأنّ كل ما يقومون به من قتل هو من أجل الله. وإيريل التي أصبحت المطلوبة داعشياً فيما بعد، قضت حوالي 4 شهور تحاول سبر أغوار طريقة التجنيد عند تنظيم داعش، ثم نشرت مقالاً بهذا الخصوص وقامت بنشر فيديو محادثتها معه أيضاً على الإنترنت.

المثير أيضاً هو عرض هذه الوعود بالجنان اعتماداً على الإثارة التي تُمارس فيها كافة وسائل التواصل الإجتماعي وتوجهها إعلامياً نحو شباب العالم بإصدار مجلة “دابق” باللغة الإنجليزية لتتحدث عن إماراتها وخلفائها وشعبها. ولمزيد من الإثارة برّر التنظيم من خلال إعلامه للقتل المتعمد بسيناريوهات وإخراج ومونتاج سينمائي بجودة عالية، مستخدماً تصويرا وافتتاحيات، ذات شعبية عالية في الغرب، حتي يستميل المشاهدين.

تبدو قصة أبي بلال مع إيريل كقصة شهريار مع شهرزاد التي أدركها الصباح، فرجال داعش يمارسون نوعاً من التسامر بغرض التجنيد، فكم حكت إيريل وواصلت في سردها لتحصل على مزيد من حكايات شهريار “أبو بلال”. وكم مرّة تحدث “أبو بلال” مفصحاً عن كل الأسرار التي نسي في غمرة انشغاله بالظفر بإيريل عروساً تُزف له على مذبح داعش، أنّ غرضه هو تنظيمي بحت. كما أنّ صورة إيريل المنعكسة للمرأة لا تقتصر على تلك الصورة التي منحت “أبو بلال” شعوراً بالانتصار والنجاح في تجنيدها وإنّما هي مرايا أخرى تعكس ما تفكر فيه داعش صراحة وما تمارسه من ذكورية فجة، تنتهك خصوصية المرأة وتفتح كوة على ما يدور في دهاليز هذا التنظيم الذي يستبيح الأنفس والحرمات ويتعامل مع النساء كسبايا و”جواري”.