الصادق الرزيقي

توقيف صحافي!..


> حتى وقت قريب، كانت الدول الغربية تتمشدق بحمايتها للحريات الصحافية وحقوق الصحافيين، وعدم اعتراضهم في أداء مهامهم ومزاولة أعمالهم المهنية، وظلت التشريعات والقوانين في هذه البلدان كما هو مُعلن ومُشاع تحصن الصحافيين من الملاحقات البوليسية والاعتقالات التعسفية، إلا في حالات ارتكاب جُرم جنائي ظاهر لا يرتبط بالعمل الصحافي، وكان الجميع يظن نظراً للتطور السياسي والاجتماعي أن الغرب هو قلعة الحرية لا مساس فيه لأهل الرأي والقلم، لكن قضية الصحافي ومقدم البرنامج الشهير في قناة الجزيرة أحمد منصور وتوقيفه في مطار برلين بعد مهمة إعلامية أنجزها في ألمانيا، أمر يثير الشكوك في مدى التزام هذه الدول ومنها ألمانيا بصيانة الحرية الصحافية وحماية الصحافيين وعدم التعرُّض لهم وترهيبهم أثناء تأديتهم لواجباتهم..
> ما فعلته السلطات الألمانية باعتقال منصور بحجة أن بلده مصر قدم طلباً للانتربول بالقبض عليه، هو انتهاك صارخ للحقوق الصحافية، وتخليط مخل بين العمل الصحافي الذي يمارسه، والدوافع السياسية للطلب المصري. وألمانيا تدعي أن قوانينها تمنع اعتقال وتسليم أي شخص لبلد ينتهك حقوق الإنسان وتمارس فيه عمليات تعذيب وتصدر فيه أحكاماً بالإعدام..
> هذا التواطوء الألماني الرسمي مع السلطات المصرية، اعتبرته الأوساط الصحافية الألمانية والناشطين السياسيين في بعض الأحزاب الألمانية، عملية قذرة وغير أخلاقية، لأنها جاءت عقب زيارة الرئيس المصري لبرلين وعقد صفقات مع شركات ألمانية، وتوقيع عقود مليارية سال لها لُعاب حكومة المستشارة ميركيل، جعلت هذه الدولة الكبيرة تلعق قوانينها ومبادئها وترتكب هذه الحماقة الكبرى في حق الصحافة والصحافيين، وهو فعل مستهجن تبرأت منه نقابات الصحافيين في ألمانيا وأوروبا ومنظمات حماية الصحافيين في العالم، وتتوالى ردات الأفعال ضده في كل مكان.
> تعلم الحكومة الألمانية أن السلطة في مصر تنتهك حقوق الإنسان بشكل لم يسبق له مثيل، وقد رفض العالم كله واستنكر أحكام الإعدام الجماعية التي صدرت ضد الرئيس الشرعي المنتخب د. محمد مرسي وقيادات الإخوان المسلمين والشرفاء المصريين الذي ناهضوا اغتصاب السلطة الشرعية، وقد وقف رئيس البرلمان الألماني موقفاً مشرفاً عندما رفض الالتقاء بالسيسي لدى زيارته لبلده وعبر حزب الخضر الشريك في الحكم عن موقفه المناهض والمنتقد لتواجد رئيس السلطة في مصر في برلين، فكيف يتقهقهر الموقف الألماني بهذه السرعة وتلطَّخ أثواب القانون بروث السياسة، ويحدث هذا الفعل المُشين باعتقال أحمد منصور؟.
> لو كان أحمد منصور مجرماً أو من سارقي أموال الشعب المصري أو من تجار السلاح والمخدرات ومن عصابات النهب والمافيا، أو هو من الإرهابيين بالمفهوم الغربي أو العاملين في غسيل الأموال والجرائم العابرة للقارات، أو أُدين في فعل جنائي في بلده، أودى بحياة أبرياء أو قام بالتخطيط أو التنفيذ لتفجيرات في مصر، لقلنا إن ما يواجهه يتم في إطار القانون وفق التدابير والإجراءات التي تقوم بها الشرطة الدولية الإنتربول، لكنه ويا للأسف صحافي ليس له غير رأيه الذي يقوله، وأفكاره التي يكتبها، فليس له أية مهنة غير مهنته ونشاط غير نشاطه. فاعتقاله بهذه الكيفية والطريقة، يكشف بجلاء عن لعبة سياسية غير نظيفة تقوم بها حكومة المستشارة ميركيل لصالح نظام السيسي في مصر، وهذا يجعل من ألمانيا بلداً يدعم القمع والقهر السياسي والتعذيب والقتل والإعدامات الجماعية.
> فلا قدَّر الله، لو تم تسليم أحمد منصور للقاهرة، فإنه بلا شك سيكون عرضة لعقوبة الإعدام والتعذيب داخل السجون المصرية، مثله مثل عشرات الآلاف الذين يرزحون في المعتقلات. فإن فعلت برلين ذلك، ستكون شريكاً في جريمة جديدة وتعيد للأذهان ماضٍ وتاريخ شديد السواد لألمانيا النازية، كاد أن ينساه الناس، فلا تختلف السجون في بلد أحمد منصور اليوم عن تلك السجون الهتلرية، ولا نظن أن حكومة ميركيل تريد إعادة تلك الصور البشعة للأذهان..
> إننا نطالب بإطلاق سراح السيد أحمد منصور فوراً، فواجب الزمالة يفرض علينا ذلك والحرية لا تتجزأ، فلا يمكننا القبول باعتقال صحافي دون أسباب قانونية مقنعة أو مبرر قوي، وعلى السلطات الألمانية ألا تشوه صورة بلادها بهذا الفعل المخزي.