مصطفى أبو العزائم

“ويكيلكس” وغفوة “البوني”!


زميلنا الكاتب الصحفي المعروف وأستاذ العلوم السياسية البروفيسور عبد اللطيف البوني ضمه أحد زملائنا الناشطين إلى إحدى المجموعات في واحد من مواقع التواصل الالكتروني, وقد قام ذلك الزميل المهاجر بضم الكثيرين- من بينهم كاتب هذه المادة- لتلك المجموعة تنوعت إهتماماتهم وتباينت تخصصاتهم واختلفت افكارهم ومعتقداتهم السياسية, لكن جمع بينهم أمر الوطن, فكانت تلك المجموعة المتميزة لمناقشة القضايا والإفكار والأزمات نقاشاً موضوعياً بعيداً عن التوترات وشد الأعصاب, والتربص بالآخر.
فتح بعض الزملاء شركاء العضوية في تلك المجموعة أبواب النقاش حول قضية الحكم والمصالحات والحوار في السودان.. حدثت مداخلات عديدة, شارك فيها البروف البوني, لكنه غاب لفترة, ثم عاد إلى المجموعة, ليفاجيء الجميع بمفردة غابت عن أسماع البعض كثيراً.. وكتب: (الكتراابة.. يعني الواحد ما يغيب شوية يجي يلقى مشاركاتكم كده؟).
بلغ حجم المشاركات في غيابه أكثر من ثلاثمائة لذلك أطلق صرخته الالكترونية تلك “الكترابة”.. ثم داوم على التواصل.
الوثائق الدبلوماسية التي أطلقها موقع “ويكيلكس” يوم الجمعة الماضي وقال إنها أكثر من (60) ألف وثيقة دبلوماسية لاتصالات دبلوماسية سعودية سرية, وجدت حظها أيضاً من النقاش بين أعضاء تلك المجموعة وهذا أمر طبيعي, لكن الذي يجعلنا نستعير دهشة البوني مقترنة بمفردته المعبّرة “الكترابة” هو أصداء هذا النشر في المملكة العربية السعودية نفسها وخارجها, فالسعودية حثت مواطنيها على عدم نشر “أي وثائق قد تكون مزورة تساعد أعداء الوطن في تحقيق غاياتهم” ومضت وزارة الخارجية إلى أبعد من ذلك, داعية مواطنيها في بيان رسمي إلى تجنب الدخول على أي موقع بغرض الحصول على وثائق أو معلومات مسربة قد تكون “غير صحيحة” بقصد الاضرار بأمن المواطن.
ونستعير دهشة البوني مقترنة بمفردته المعبّرة “الكترااابة” بسبب حجم وعدد الوثائق المسرّبة, ثم لحجم ردود الأفعال المصاحبة لنشرها في كل الوسائط الاعلامية العالمية.
لدي- شخصياً- قناعة بأن أكثر ما تم نشره من وثائق- حقيقي- ليضفي نشره مصداقية لوثائق غير حقيقة أو مزورة تخدم أهدافاً محددة وتحقق نتائج مطلوبة لأغراض يعلمها الذين عملوا على نشر هذه الوثائق.
الدبلوماسيون- عموماً- غير مندهشين مما جاء في الوثائق, وبعضهم يرى إن المكاتبات بين السفارات ووزارات الخارجية التي تتبع لهاهو أمر طبيعي وهو جزء من (طبيعة العمل الدبلوماسي) منذ أن بدأ.
سألت دبلوماسي عامل عن هذه (الضجة الوثائقية) فقال إن أكثرها صحيح.. وسألت سياسياً سودانياً بارزاً ورد اسمه ضمن تلك المكاتبات, فلم ينف أو يؤكد ما نسب إليه, لكنه قال لي: “يعني شنو.. لو كتبت داك أو ما كتبته؟”.. ورد على سؤالي بسؤال.
وذكرت لأحد أبطال تلك الوثائق بأنه من المؤكد أن عامل التغيير المفاجيء والكبير في القيادة السعودية, ومؤسسات الحكم قد يكون دافعاً لما جرى, خاصة وأن اتجاهات الريح في فضاءات الحوار المباشر والاقليمي قد تغيّرت, وكذلك التحالفات.
ولكن نعود ونتساءل.. “ستين ألف وثيقة؟” ونرد بطريقة البروفيسور البوني: “الكتراابة”.