رأي ومقالات

د. ناهد قرناص: من فات قديمه


الخروج صباحا في رمضان له مزايا عديدة …هدوء يخيم على كل الطرقات .. …دكان ادم مفتوح نصف فتحة ..كانما يقاوم نعاسا …عم حسن مكانه خال ..الا ان أزياره توحي بان هناك من يتعهدها بانتظام …كنت قد قاربت ان اطلق لقب الحي الصامت على هذه الناحية ..عندما سمعت ضحكات صغيرة ..تتبعتها فوجدتها صادرة من خلف كثبان رملية وجوالات اسمنت موجودة بجانب العمارة غير مكتملة البناء في مدخل الشارع …كانوا مجموعة من اطفال يلعبون بمرح ظاهر ..لعبة كادت تندثر …(الدسوسية).. الضحكات والجري والاختباء خلف الكثبان الرملية …اثارت في حسدا خفيا (عالم فاطرة ..وكدا)….وكذلك هيجت في نفسي ذكرى طفولة شقية …لا اعتقد انني تركت فيها لعبة لم امارسها …ذلك زمن كان للعب في الشارع لذة ومتعة لا تدانيها متعة …بدأت في التحرك لمواصلة طريقي …اذا برجل يظهر فجاة …كان يحمل مجموعة من لفات الحبال على كتفه الايمن ويحمل مخلاة بيده اليسرى ..يبدو بها عدة العمل … يصيح باعلى صوته (نجلد العناقررريب)…بدا لي المشهد غريبا باكمله ..وكانني امتطيت كبسولة الزمن الى الوراء ..أذكر انني رأيته ذات مرة في هذا الحي ولكنه اختفى ولم يعاود الظهور ..وهاهو يعود بذات الهيئة وذات العزيمة …والخيبة نفسها ..اذ ان لا أحد يفتح الباب ليطلب خدماته …كنت اريد ان أقول له بان عهد (العناقريب ) ولى الى غير رجعة …حتى الحبال أصبحت (حاجة بلدي خالص) …وتم استبدالها بالبلاستيك … العنقريب بشكله القديم اختفى الا عند الموت تجده حاضرا حتى ولو من باب (السلف من الجيران )…الشئ الغريب أن هذا العنقريب الذي لفظناه …ظهر على قمة (الموضة ) في سوق الاثاث ..اذ عرضته اسفيريا احدي شركات بلدان الشرق الأقصى على أساس أنه يشفي من الام الظهر ويعطيك (نومة) مريحة قل ان توجد في تلك المراتب الفخمة الرياش …أشياء كثيرة نمتلكها ونستهين بها ..تجد الاخرين يحتفون بها …الذرة تجدها ضمن الأغذية غالية الثمن في الغرب لانها مادة عضوية غنية بالغلوتين …النيم ..السنمكة …وقائمة طويلة من الأشياء تكون بين ايدينا …ومن ثم ياتي اخر يزيل عنها بعض الغبار …فتملؤنا الحسرة ..ولكننا لا نستفيد من الدرس مرة بعد مرة …(نجلد العناقرررريب) ..اعادني صوته الى الواقع …كان ينظر بترقب لاحد الأبواب التي فتحت ببطء …ولكن الامل سرعان ما تلاشى ..اذ خرجت عربة مظللة لاترى من بداخلها ..اسرعت العربة صانعة خلفها غبارا كثيفا ..حجب مني شبح الرجل الذي كان ينظر بدهشة للبيت وما بداخله …اغلق الباب …ورأيت الرجل يهز رأسه عجبا ام أسفا… لست أدري …ومن ثم طفق يمسح ذرات الغبار من على وجهه…و تابع طريقه …(نجلد العناقرررريب)…تابعته بنظري حتى صار نقطة بعيدة في الافق ….واختفى كما ظهر
واصلت المشي وفي ذهني سؤال يتردد…لماذا نلفظ كل قديم ..ما ان يلوح في الافق بريق لجديد ات ؟؟؟ ووصباحكم خير

د. ناهد قرناص


تعليق واحد

  1. شكرا ذكرينى بالماضى ستنفعنى الذكرى ـ بعد غياب دام ٤٠ عاما من الزمان .