مزمل ابو القاسم

أسلوب حياة


* في عام 2008 سافرنا إلى غانا لمتابعة مباريات منتخب السودان في بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم، ودخلنا إستاد مدينة كوماسي الفخم، لحضور إحدى مباريات منتخب السودان، فاستبد الحماس بأحد الزملاء، وأشعل لفافة تبغ، وفوجئ بمن يحيطون به يصيحون في وجهه، ويعنفونه بشدة، لأن التدخين داخل الملاعب الغانية ممنوع!

* (لبد) لصاحبنا، وأحنى رأسه للعاصفة، وأطفأ اللفافة، ثم همس في أذني قائلاً: (شوف ديل.. يشفطوا في البيرة وعاوزين يدقوني في سيجارة)!

* قلت له القانون سمح باحتساء البيرة، ومنع التدخين، وعليك أن تحترم القانون، وتمتنع عن التدخين!

* قبل المباراة امتطينا سيارة أجرة، في الطريق إلى الملعب، وكنا على عجلةٍ من أمرنا، فطلب أحد الزملاء من السائق أن يتخطى السيارات التي تسبقه، في طريقٍ ضيقٍ لا يسع سوى سيارتين، فاستنكر طلبه، وقال إن ذلك ممنوع، إلا إذا كانت السيارة تحمل مريضاً بحالة خطيرة، لكنه استجاب لإلحاح الزميل المذكور، وسار في الطريق العكسي، وفوجئنا بكل السيارات الآتية من الاتجاه المعاكس تفسح الطريق لسيارتنا، لأن سائقيها افترضوا أنها تحوي (حالة حرجة).. وأعتقد أنها كانت كذلك فعلاً!

* الأعراف والقوانين تتضامن في العادة لتصنع حالة من الالتزام الصارم بالتعليمات، حتى يصبح التقيد بها في مصاف العادات الثابتة.

* لذلك نؤيد ما كتبه الحبيب جمال علي حسن، عن أن تعزيز ثقافة النظافة يجب ألا يرتبط بحملات موسمية، وأفعال طارئة، وأنها يجب أن تتم بفعلٍ دائمٍ، وعمل مؤسس، يعلي من شأن النظافة، ويجعلها سلوكاً ومنهجاً ونظام حياة، تحكمه ثقافة، وتحرسه تشريعات وقوانين، تعاقب من يتجاوزها بصرامة.

* فرطنا في إقرار قوانين تجعل النظافة منهجاً، وتدفع من لا يهتمون بها إلى عدم تجاوزها، فورثنا قذارة بائنة، تتخطى الشوارع، لتبلغ المتعلقات الشخصية، والسلوكيات الفردية، والبيئة المحيطة بها.

* قبل أن نجتهد لفرض قوانين تحض على النظافة، وتحرسها من التعدي، وتحاسب المستخفين بالقانون، يجب علينا أن نوفر للناس معيناتٍ تشعرهم بسلامة البيئة التي تحيط بهم، وتحضهم على عدم إفسادها.

* الإحساس بنظافة البيئة يبدأ بتوفير أوعية القمامة، في كل الشوارع، لأن وجودها يشكل ضغطاً نفسياً على المستخفين بالنظافة كقيمة دينية ودنيوية مهمة.

* أي حديث عن تحسين البيئة في ظل استمرار النهج المتخلف الذي يتم به جمع القمامة من شوارع المدن والأحياء حالياً سيصبح مجرد (ونسة) للاستهلاك، هذا إذا جمعت أصلاً، ولم تترك نهباً للكلاب الضالة.

* نحن بحاجة إلى إقرار نظام صارم للنظافة، تلتزم به الدولة قبل المواطن، كي تصبح أسلوباً للحياة.

* السيارات المستخدمة في جمع القمامة حالياً تنثر المخلفات في الشوارع التي تمر بها، وينطبق عليها مسمى قمامة هي نفسها، ومن يعملون فيها تنطبق عليهم مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه).