أبشر الماحي الصائم

جمرة أخرى غير خبيثة


لا أعرف حيلة ذكية لتحصيل موارد الدولة، مثل وسيلة عدادات الدفع المقدم التي ابتكرتها الهيئة القومية للكهرباء، فبهذه الطريقة أصبح الفقراء يدفعون مقدما قيمة كهرباء لم تنتج في محابسها العليا في أعالي الأنهار، وربما لم يكن بمقدور السودانيين أن يستمتعوا بكهرباء لا مقطوعة ولا ممنوعة، إلا في وقت الذروات، لو أن وسائلها التحصيلية هي تلك الطريقة البالية، أن يطرق المتحصل الباب كما يفعل (اللباني) فتح له الباب أم لم يفتح له، ثم عليه أن يضع منضدة وكراسي ليصعد عليهما لقراءة العداد، وبتلك الطريقة البالية كانت موارد الطاقة الكهربائية تهدر، مرات بالتقاعس وعدم السداد ومرات، ومرات بالإسراف في الاستخدام، أما الآن (فالجمرة تحرق الواطيها)، وأتصور أن تسمية عداد الدفع المقدم بالجمرة الخبيثة ناتج عن ثقافة (ضعف الإحساس بمشروع الدولة)، إذ أن الأصل في تربيتنا الوطنية هو التحايل في تسديد الفواتير المستحقة، فمن هنا والله أعلم جاء تسلل الخبث لهذه المعاملة الوطنية الراجحة، التي أوقفت عمليات استنزاف موارد الدولة، ولو تلاحظوا أننا نستخدم مصطلح الدولة وليس الحكومة على افتراض أن هذا منتوج قومي يبقى للأجيال و…
* وفي مرحلة لاحقة اهتدت الشقيقة، هيئة توفير المياه، إلى الاستعانة بالشقيقة الكهرباء لتدارك عمليات التحصيل، وفق مشروع ضم فاتورة استهلاك المياه مع فاتورة الكهرباء، وذلك لتوفير ما نسبته خمسة وعشرون بالمائة من قيمة التحصيل كانت تذهب لشركات التحصيل، فضلا عن الفاقد الكبير في عمليات التحصيل البدائية و.. و..
* فاليوم تتقدم هيئة المياة خطوة مهمة جداً بطرحها مشروع العداد الذكي، الذي سيساهم بدوره في توفير هذه الخدمة بعد تحسن عمليات التحصيل، ولا تكمن عبقرية هذا الطرح في إنجاز نسبة التحصيل الكاملة فحسب، بل تكمن في الحد من عمليات الاستهلاك غير المرشد، إذا نجحت الهيئة في زراعة جمرة أخرى غير خبيثة تمكنها من جمع مواردها المهدرة، ذلك مما ينعكس أثره في توفير خدمة المياه بصورة أفضل مما عليه الآن، أو يفترض ذاك بعد تعاظم الموارد المتحصلة و.. و..
* لاحظت أيضا أن البعض منا ربما يحتاج إلى صفيحة ماء ليتوضأ وما يقارب البرميل للاستحمام، تمنيت والحال هذه أن تبادر الهيئة في إنتاج مبادرة أخرى، وذلك بتصميم حنفيات بنسبة تدفق محدودة وذات جودة عالية، تباع لجمهور المستهلكين بسعر رمزي أو مجانا.. و.. و..
* كل ذلك ننففه بين يدي إعادة بعثة المهندس خالد، على أننا ننتظر حلولا غير تقليدية تمكن الهيئة من تجاوز الأزمات الموسمية.. والله ولي التوفيق..