عثمان ميرغني

ما الذي ينقصنا.. أطباء أم مال.. أم عقل؟


لهفي على شعب ليس له وجيع.. ولا بواكٍ.. الطائرات المغادرة مطار الخرطوم تكتظ بالباحثين عن أمل العلاج في كل أرجاء الدنيا.. في كل يوم يكتشف السودانيون عاصمة أو دولة جديدة تصلح للحج إليها استشفاءً.. آخر هذه الدول (زيمبابوي).. أي والله.. أهلنا الأفارقة.. الذين لا نذكرهم إلا في البطولات الأفريقية..
حوالى ست طائرات يومياً إلى القاهرة.. 90% منها مرضى يطلبون العلاج في (أم الدنيا) التي تغنى لها الشيخ البرعي بعد ما عالجته بـ (لا حقنة لا مشرحة)..
وطائرات أخرى يومياً إلى الأردن… التي تحولت إلى مستشفى (سوداني) ضخم..
حتى روسيا البعيدة.. حاولت تقديم جواز سفري إلى السفارة الروسية في الخرطوم للحصول على تأشيرة علاج فإذا بي أعود خالي الوفاض؛ لأن التأشيرة تتطلب الحضور مبكراً قبل السابعة، وتسجيل الاسم مسبقاً.. فطوابير السودانيين المنتظرين والراغبين في الحج إلى موسكو أيضا باتت طويلة.. طويلة.. طول ليلنا الساجي..
ما هو ذنبنا الذي جنيناه نحن شعب السودان.. تعليم وتعلمنا لما كانت أفريقيا والعالم العربي يغطان في سبات الجهل العميق.. كلية طب جامعة الخرطوم عمرها أكثر من مئة عام.. ولدينا حوالى أربعين كلية طب حكومية وخاصة.. ما هي مشكلتنا؟.
أطباؤنا في أوروبا والخليج وكافة أنحاء العالم مفخرة.. ونجوم تتلألأ أسماؤهم بين شعوب تلك الدول.. المجال لا يتسع هنا لو سردت لكم الأسماء المبهرة في مختلف التخصصات.. فما هي المشكلة؟.
ما الذي ينقصنا؟، لا تقولوا لي المال.. التكاليف الباهظة بالعملة الصعبة التي يدفعها هؤلاء المرضى كل عام تكفي لإقامة أفضل المستشفيات في العالم بأفضل الخبرات.
في عالم اليوم ما أسهل الاستثمار والتمويل ما دام توفرت الأسواق والمستهلكين.. ونحن– شعب- سوق كبير للخدمات الصحية ومستهلك لكل أصنافها.. فما الذي ينقصنا؟.
كم يدفع المرضى السودانيون للعلاج في الخارج.. أراهن أنها أكثر من مليار دولار سنوياً بحساب التكلفة الكلية للمرضى ومرافقيهم وإقامتهم حتى تسوقهم في الخارج..
في الماضي كان إخوتنا العرب يحجون إلى الخرطوم طلباً للعلاج، وأجرى الدكتور عمر بليل أول عملية زراعة كُلى في العالم العربي لمريض سعودي جاء للعلاج هنا في الخرطوم.. قبل أكثر من أربعين عاماً.
ما الذي ينقصنا؟.
العقل الذي ندير به بلدنا ومواردنا.. نبذل كل جهدنا للحفاظ علينا في القاع.. نفرح حد الاحتفال بافتتاح شارع مسفلت طوله ثلاثة كيلومترات.. أو صالة.. أو مدرسة.. أو قائمة طويلة من (المنّ والأذى) الذي تمتن بها الحكومة على شعب ليس هذا مكانه ولا هذه مكانته..
بالله عليكم تعالوا نصنع الحلم السوداني.. لنحول هذا الواقع (الواقع أرضاً) إلى أحلام في السماء تليق بنا.. نحن أكبر من هذا.
لماذا نقبل بهذه الإهانة والإذلال الأممي؟.