أبشر الماحي الصائم

إلى معالي الرئيس البشير


* سيدي معالي الرئيس، نكاد الآن نتجاوز شهر يوليو، عز موسم الخريف في السودان، ولم تجُد السماء علينا بماء منهمر، والأمر والعلم عند الله من قبل ومن بعد علام الغيوب ومنزل الغيث بعد القنوط، ونسأله الرحمن الرحيم الغفور أن يجود علينا في ما بقي من الموسم بتدفق الغيث وإنبات الزرع وإدرار الضرع، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

* أطربني، سيدي الرئيس، أن ينتبه البرلمان الموقر في مواسم البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، إلى هذا الأمر الخطيرة، إذا ما تخلف خريف هذا العام في بلد يخذلها تاريخياً ثقافة استخدام البدائل ولا يسعفها أدب التوظيف الأمثل لمقدراتها الطبيعية المتنوعة، فالله سبحانه وتعالى لم يظلم أهل هذه البلاد، ولكن أنفسهم يظلمون عندما لم يحسنوا توظيف الأنهار التي تجري من تحت أرجلهم والمياه الجوفية التي ترقد باطمئنان في جوف أرضهم !!

* فمقدرة الشعوب على الابتكار، وأدبيات صناعة البدائل وتوظيف نعمة العقل في عمليات العصف الذهني، تتجلى في ساعة المحن وعند الشدة واحتدام الأزمات، ونحن ننتقل من قدر الله إلى قدر الله ومن نعمة الله إلى نعمة الله، فلئن حرمنا لحكمة يعلمها الله، نعمة الغيث فقد وهبنا الله في المقابل نعمة الأنهار والمياه الجوفية، مقروءة مع نعمة العقل والفكر، فإذا ما أحسنا استخدام هذه النعم فإننا برحمة الله نفر من قدر الله إلى قدرة الله ورحمته سبحانه وتعالى و.. و..

* فعلى سبيل النعم، فقد وهبنا الله سبحانه وتعالى في هذا السياق، مشروع الجزيرة المروية بمساحة مليوني فدان تصلح على الأقل لزراعة القمح، وذلك لبلد قد لحق ريفها بحضرها في عمليات استخدام الخبز بديلا عن المأكولات التقليدية التأريخية (الكسرة والعصيدة)، وحتى إن لم تحدث هذه النقلة تماما، فإن محصول القمح الذي تتجاوز فاتورته المليار دولار يمكن أن يعوض خسارة الذرة وأخواتها من المحصولات المطرية، مرة بتوفير ثمن استيراد القمح، ومرات بجعل هذه السلعة تفيض إلى التصدير، ذلك إذا أضفنا ووظفنا أراضي القمح في مواطنه الأصلية بولايتي النيل والشمالية و.. و..

* فإذن ماذا ينقص هذا الطموح المشروع في زراعة مليوني فدان قمح ما بين الجزيرة والشمالية لتمزيق فاتورته الباهظة أولا، ومن ثم جعله يعوض خسارة محاصيلنا المطرية الأخرى ولاسيما ما يتعلق بزهرة الشمس والسمسم والزيوت !!

ينقصنا، سيدي، شيئان اثنان، يتمثلان في التمويل والإرادة، أما خسارة التمويل فيمكن تعويضها بتحسن علاقات السودان مع الخليج والسعودية، فعلى الأقل أتوقع انفعالا غير مسبوق من قبل المملكة العربية السعودية في أزمنة التحولات الكبيرة التي يشهدها المنطق العربي والمنطقة، والشهية المفتوحة لصناعة البدائل العربية سيما مشروع تأمين الغذاء العربي و..

* وبتوفر عنصر التمويل، تصبح العقبة الكؤود تتمثل في توفير الإرادة التى طالما خذلتنا كثيرا، فعلى الأقل، لم ننجح على مدى العامين السابقين في زراعة أكثر من ثلاثمائة ألف فدان قمحا بطول البلاد وعرضها من حجم المساحة التأشيرية، والتي لا تتعدى ثمانمائة ألف فدان، فهذه المساحة المستهدفة على تواضعها مقارنة بملايين الأفندنة التي تصلح لزراعة القمح لم نتمكن من تنفيذها !!

* سيدي معالي الرئيس، أسمح لي أن اقترح على معاليكم، بين يدي الولاية الأخيرة، أن تنزلوا بأنفسكم وبكامل حكومتكم الموقرة إلى ولاية الجزيرة ثم الولايات الشمالية، على أن تعطل البرامج السياسية وتوقف عمليات طواحين الهواء ويتخذ الولاة والوزراء والمعتمدون عريشا علي سفح الحقول.. وذلك لتدارك الموسم الشتوي عن قرب، بتذليل كل العقبات على قارعة الحواشات وتحريض جمهور المزارعين على التوجه للحقول، حتى لنعوض خسارة الخريف ونكسب إرادة جديدة تصلح رصيدا ضخما للثورة الزراعية المحتملة.. وللحديث بقية.. والله ولي التوفيق.