الطيب مصطفى

بين التحالف السني والدولة الفارسية 1-2


امتلأت الصحف والأسافير بالتحليلات والتكهنات حول الاتفاق الأمريكي الإيراني، وأجدني اتفق مع من قال إن أمريكا قد باعت العرب السنة بعد أن حسمت أمرها وقررت اعتبار الإسلام السني عدواً إستراتيجياً وعقدت تحالفًا جديداً مع إيران شبيهاً بذلك الذي كان قائماً مع شاه إيران.. وقد كشف الحوار الذي أجراه الصحفي الأمريكي فريدمان مؤخراً مع الرئيس أوباما صحة ما نقول الآن من تواطؤ أمريكي إيراني يستهدف الإسلام السني الذي اتخذته أمريكا عدواً بات يهدد الغرب وحضارته منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر سيما بعد أن فصلت بينه وببن الإسلام الشيعي الذي يقوم على متناقضات من الثقافة الشعوبية الفارسية المخلوطة بمذهب شيعي محشو بكثير من الهرطقات والخزعبلات غير المتماسكة.
كم أنا سعيد بالتحالف السني الجديد الذي يبرم الآن رداً على الإهانة بل اللطمة التي وجهتها أمريكا لمن ظلت توهمهم من العرب بأنهم حلفاؤها بالرغم من أنها ظلت تستحلب ثرواتهم في شكل مببعات للأسلحة المكدسة بلا أدنى فائدة أو استخدام وودائع ترليونية في مصارفها في وقت كانت تغدق الأموال والسلاح على عدوهم الإستراتيجي المتمثل في الكيان الصهيوني المحتل لأحد أعظم مقدساتهم وأعني به المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
لقد أثلج التحالف السني الجديد الذي يعكف الملك سلمان على إنشائه والتحول الإستراتبجي في السياسة السعودية.. أثلج صدور المسلمين السنة في أرجاء العالم الإسلامي، فلأول مرة منذ عقود يخرج العرب من بيت الطاعة الأمريكي بعد أن علموا أنهم مستهدفون وأنا على يقين أن ما بأيديهم من الأوراق، إن أحسن استخدامها، كفيل بأن يمكنهم من قلب الطاولة على أمربكا المتلاعبة بهم المحتقرة لهم، ورد الصاع صاعين، فقد بلغ العرب من الذل أن يستعينوا بعدو هو أمريكا التي يعلمون يقيناً أنها رغم بذلهم لها تحتقرهم وتتحالف مع أعدى أعدائهم (إسرائيل) والآن مع إيران الصفوية الفارسية.
يتعين على السودان أن يكون في قلب هذا التحالف السني الجديد فما من دولة وشعب كادت له أمريكا مثل السودان، وآن له أن يكون له دور تاريخي يستدبر به (جلايطه) السابقة في تسعينات القرن الماضي.
الجديد في هذا التحالف أن أمريكا التي لا تقدم أحدًا على حليفتها الأبدية إسرائيل تعول على حدوث تغيير في النظام الإيراني يعيده إلى أيام الشاه بعد قراءة متعمقة لتوجهات الشباب الإيراني الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان تلك الدولة.
أكبر مؤشر للتحولات الكبرى التي تشهدها إيران الآن فوز الإصلاحيين في الانتخابات الأخيرة بقيادة الرئيس الإيراني روحاني وتناقص التأييد للتيار المحافظ .
رأيت إيران رأي العين في عام 1991 عندما كنت مديراً عاماً لوكالة السودان للأنباء (سونا) وشاهدت ضعف التدين الشعائري لدى الشعب الإيراني، فقد زرت في اليوم الأول حديقة كبرى في إيران وقت صلاة المغرب ودهشت أنها كانت مكتظة بالزوار الذين لم أر أياً منهم يصلي سواء في شكل جماعي أو فردي.. علمت بعدها أن السبب يرجع إلى جمع المغرب والعشاء وكذلك الظهر والعصر وفقاً للمذهب الشيعي الذي لا يحفل كثيراً بالجانب التعبدي الروحي هذا فضلاً عن الدجل والخرافة والتناقضات التي تسم ذلك المذهب مما لا يجعله مقنعاً لكثير من الشباب وكذلك نظرية ولاية الفقيه (الخرافية) التي تصدر عن فقه لا يقوى على الصمود في وجه منتقديه من دعاة التحول الديمقراطي وغيرهم كذلك فإن تزايد وتيرة الانحياز إلى البعد الفارسي القومي على حساب البعد العقدي الشيعي خاصة بعد وفاة الخميني في توجه الدولة والتحول الكبير في إستراتيجيتها نحو إحياء الإمبراطوربة الفارسية كان له تأثيره الكبير في تضاؤل الجانب العقدي الثوري، ولذلك لا غرو أن تتلاشى شعارات الثورة التي كانت تلهب حلوق حرس الثورة صباح مساء في العشرية الأولى بعد قيام الثورة (الإسلامية) مثل (الموت لأمريكا) و(الشيطان الأكبر).. فها هي أمريكا تصبح الجنة الموعودة لكثير من الشباب ولا أشك البتة أن الرئيس الجديد لإيران وهو يسرع الخطى لإنجاز الاتفاق كان يعبر عن رغبة الشباب الذين جاءوا به إلى الحكم في التحول بعيدًا عن شعارات الثورة ومن يقرأ الضيق الكبير الذي أظهره آية الله خامنئي والمحافظين من الاتفاق الذي عضد فرص التيار الإصلاحي وأضعف حظوظ التيار المحافظ يستطبع أن يقرأ خريطة التحولات الكبرى التي تجتاح المجتمع الإيراني الذي يتضاءل دور الدين في حياته.
نواصل إن شاء الله