داليا الياس

أزمة تعايش


هي واحدة من الأزمات الكثيرة التي يعاني مجتمعنا السوداني منها وتلقي بظلالها على شكل العلاقات بين الأفراد والجماعات. فهي بالضرورة الطريق القصير لتفشي العنصرية والتطرف والكراهية ونشوب العداوات والخلافات.
نحن لم نعد نقبل بالآخر! على مستوى القبائل والطوائف والأجيال والمهن وحتى الأزواج. نعمد دائماً للتقليل من شأنه والتنكيل به وتفنيد آرائه والاستخفاف بأفكاره وتشويه معتقداته والاعتراض على سلوكه وانتقاد تصرفاته.
الأجيال السابقة تدين كل ما تأتي به الأجيال الحالية.. وتتداول العبارات المشروحة بالبكاء على أطلال ماضيها (حليل فن زمان وكورة زمان وتعليم زمان وحب زمان)! وهي بذلك تحاول أن تسلب شباب اليوم حقهم في الحياة وفق مفاهيمهم ومعطيات عصرهم. وليت القدامى يقتنعون بأن الجدد قد ولدوا لزمان غير زمانهم. وأن هناك اعتبارات للعمر والمزاج والأهواء والبيئة المحيطة يجب أن تراعى، ولا يمكن بأي حال التغاضي عن التغيرات الجوهرية الجذرية التي تطال العالم من حولنا كل يوم والمطالبة بأن تتوقف عجلتها عن الدوران على حدودنا ليتحول هؤلاء إلى نسخ مكررة وصغيرة من أولئك فحسب.
لو قدر لنا أن نؤمن جميعاً بالحق الأصيل للآخر في ممارسة إنسانيته الكاملة بحرية مطلقة داخل حدود منظومتنا الاجتماعية ودون أن تتجاوز حرية الآخرين، لكفينا أنفسنا مغبة العديد من الإحن.
ومن الوجوه البارزة لأزمة التعايش ما يحدث داخل البيوت السودانية.. حيث العداء الصامت والندية بين الأزواج.. وحيث يجتهد كل منهم لإثبات كونه الأفضل والأجدى والأشد حرصاً على مصلحة هذا الكيان .
فتجد الزوج دائم التذمر من نقة زوجته وتسوقها الدائم وتقاعسها عن خدمته.. وبالمقابل تشكو المرأة من برود الرجل وسلبيته وتقصيره في حقها وبيته وأبنائه.
وليت الأول يعلم أننا النساء فطرنا على الثرثرة والعاطفة والرغبة الدائمة في الشراء والتعطش الدائم للحنان. وليت النساء يعلمن أن الرجال بطبعهم عمليون حتى في عواطفهم يخضعون الأشياء في الغالب لحسابات المنطق ويتحركون وفق ذلك. وأن هذا لا يعني بالضرورة إصرارنا نحن النساء على الإهمال والكسل ولا يعني خلوهم معشر الرجال من العواطف الجميلة وجهلهم بفنون التعبير.
هي بالأخير أزمة تعايش.. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنجح في تغيير أفكار ومعتقدات وعادات إنسان ناضج ومتوازن أمضى على أقل تقدير ربع قرن من الزمان في ما نشأ عليه من طبيعة.
ليس أمامنا سوى أن نتعايش معه! أن نقبله كما هو، وإن كان على علاته.. أن نتذكر دائماً أنه ما من شخص كامل.. وما يعجبنا في أحدهم قد يخبئ وراءه أشياء قبيحة من ناحية أخرى.
هي إذن دعوى للتعايش.. لقبول الآخر ومنحه مساحة من حرية التحرك والتصرف والميول.. ومنحعه الفرصة ليعيش تجاربه بنفسه ويتعلم منها.. أن يخطئ ويصيب.. أن يحب ويكره.. أن يخرج طاقاته الكامنة ونحترم حقه في الإعراض عن ما نحبه ونمارسه.
امنح زوجتك فرصة ممارسة هواياتها النسائية، وساهم في رفع روحها المعنوية بالعبارات اللطيفة التي لن تكلفك الكثير، ولكنها ستجنبك الكثير.
وامنحي زوجك فرصة التواصل مع الآخرين وحرية ممارسة هواياته وطقوسه الغريبة في تفاصيله اليومية دون أن تتذمري حرصاً على صحتك، فهو يا عزيزتي لن يتغير.. وربما يكتفي بتغييرك!!
#تلويح:
عيش معايا الحب.. عيش معايا حناني


‫2 تعليقات

  1. عفوا أستاذة داليا الموضوع ليس بهذه البساطة لان عدم قبولنا التعايش لم يكن من فراغ انظرى نظامنا السياسي هل هناك أي مجال للتسامح وهو ما يعني أولا وأخيرا فبول الاخر رايا او جسدا أو الاثنين معا هل هناك من تجربة يمكن التدليل بها علي هذا النهج. ثم احترام القانون أولا ترين كسف يتصرف أبناء الكبار ولا أحد يردعهم مخافة سطوة الأب ألا تيرين التجاوزات في أي شيء بدءا من الشارع العام الي المصارف التي يفترض فيها السرية فكل شيء علي هوى القوي ذي الجبروت في مفاصل الدولة ،ألا ترين يا داليا كيف يتصرف افراد قوات الشعب المسلحة أو الامن او من هم يحملون ما يسمي بالحصانات تراهم فوق القانون يدوسون عليه لا يتورعون إذن والحالة هذه فلا يمكننا البتة الحديث عن تعايش حيث لا عدالة ولا مساواة أمام القانون والقضية دائماا مقيدة ضد مجهول

  2. استاذة داليا الموضوع غاية فى الاهمية لامانع من التعايش معهم ولكن على علاتهم تعبتبر علة اخرى لابد من العمل على معالجة العلل باساليب معقولة