الطاهر ساتي

علامة ظاهرة ..!!


:: أزمة متجددة بعناوين مختلفة..قبل أسابيع كانت المعاليا والرزيقات بدارفور، واليوم الجموعية والهواوير بشمال أمدرمان..وغدا بمنطقة أخرى .. لا جديد في أسباب الإشتباك، إذ هي ذات الأسباب الراسخة في وجدان كل قبائل السودان..نعم أسباب إشتباك قبائل السودان (واحدة)، والإختلاف فقط في وسائل الإشتباك..ولخصت ذات يوم في طرفة من واقع الحال ..قبل سنوات ، قصدت بعثة آثار الشمالية للتنقيب عن الآثار.. ونصبوا خيمتهم في الفيافي..وتفاجأوا بشباب حول الخيمة..وتقدم أحدهم سائلاً : ( إنتو عايزين تحفروا وين ؟)، فطمأنهم مدير البعثة بأن كل عمليات التنقيب خارج (حرم القرية)..فكرر الشاب سؤاله : ( عايزين نعرف إنتو ح تحفروا وين بالضبط ؟)، فسأله مدير البعثة حائراً ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري قريتكم دي حدها وين ؟)، فرد الشاب بغضب : ( في ليبيا)..!!
:: وقد صدق .. لأراضي الدول حدود، ولكن أراضي قبائل السودان بلا حدود..هكذا حال كل أرض السودان..فالأرض في السودان لاتملكها الدولة وسلطتها، كما تنص دساتير دول الدنيا والعالمين، بل تملكها القبيلة.. وإمتلاك القبيلة لأرض بلا حدود هو ( أُس البلاء)..والمراقب للصراعات القبلية، ليست في السودان فقط، بل في الكرة الأرضية كلها، يجدها صراعاً حول الأرض و مواردها.. ومنعاً للصراعات والحروب، طورت حكومات الدول علاقة الإنسان بالأرض، ثم نظمت هذه العلاقة بالقوانين التي لاتظلم الشعوب والقبائل والأفراد..ولكن نحن في السودان – منذ الإستقلال وإلى يوم إشتباك الجموعية والهواوير – لم يُكرمنا القدر بحكومة تطور علاقة الإنسان بالأرض وتنظمها بحيث تكون الأرض للدولة ومصالح شعبها وقبائلها وأفرادها.. !!
:: وما لم تتجاوز علاقة الإنسان السوداني بالأرض هذه العلاقة (التقليدية المتخلفة)، فلن تهنأ البلاد بالسلام، و لن تهنأ القبائل بالوئام ..وما يُحزن في الأمر، أن لبعض قبائل السودان – في كل أقاليم السودان – قناعة راسخة بأنها تستضيف قبائل أخرى على أرضها.. هكذا الثقافة الراسخة في وجدان بعض القبائل، وكأن تلك القبائل المستضافة (أجنبية في بلدها)..لم، ولن نتطور بحيث يدخل السودان في موسوعة الدولة الحديثة التي يستفيد شعبها وقبائلها وأفرادها من كل أرضها..ولم ولن نتتطورفي ظل ثقافة تمنح لكل قبيلة حق وضع يدها على (أرض بلا حدود)..ثم تعزلها عن أراضي القبائل الأخرى، وهي أيضا ( بلا حدود)..وكذلك تعزلها عن سلطة الدولة وحقها في التخطيط والتوزيع حسب خارطة (المصلحة العامة)..!!
:: فالقنابل الموقوتة ليست بين الجموعية والهواوير فقط، بل بين كل قبائل السودان المتجاورة..وهي ليست قنابل سياسية بحيث نختزل مسؤوليتها في هذه الحكومة أو تلك المعارضة، بل هي قنابل ( ثقافة مجتمع)..والكل – حكومة و مجتمعا وإعلاما- شركاء في ترسيخ هذه (القنابل المدمرة)، وكذلك شركاء في جرائم حربها وإشتباكاتها..أرض القبيلة في بلادنا بلا حدود، هذا ( أصل الأزمة) و ( أس البلاء )، منذ أن تشكلت الدولة السودانية.. فلندع سلطة الدولة، ونسأل عقول الناس : أين تنتهي حدود شهادة بحث ( أرض قبيلة)، لتبدأ حدود شهادة بحث أرض (القبلية الأخرى).؟..وما معنى أن تستضيف قبيلة سودانية قبيلة سودانية أخرى على أرضها ؟.. وكيف؟، ومتى يتم تعطيل هذه ( القنابل الموقوتة).؟.. لا إجابة، غير حرب مرتقبة و إشتباك قادم .. وهذه من علامات ( اللا دولة )..!!علامة ظاهرة ..!!