جمال علي حسن

الِقربة المقدُودة


الشيء الأهم من بناء طرق جديدة في الخرطوم أو بين مدن السودان المختلفة هو صيانة الطرق والشوارع القديمة التي تحطمت وتشققت وامتلأت بالمطبات والحفر.. تلك الطرق التي لن نفرط في حلمنا بأن تتم محاسبة من قاموا برصفها وتنفيذ أعمالها من شركات ومقاولين بعضهم غير مؤهل لا فنياً ولا أخلاقياً.. لن نحلم بإعادة تلك الحقوق فهي بنظر الحكومة صارت حقوقاً هالكة.
من يتجول في شوارع الخرطوم يشعر بأن قيادة الدولة صادقة حين تقول إنها صرفت أموالاً ضخمة في بناء طرق وشوارع وجسور لكنها للأسف ظلت تترك أمر التنفيذ والتعاقد والعطاءات لبعض أصحاب القرار التنفيذي الذين إما أنهم فعلاً فاسدون منحوا العطاءات بطريقة (أخوي وأخوك وزولنا وزولك) وإما أنهم مغلفون وقعوا ضحية خداع وغش وفساد مضى من بين أيديهم وتحت مداد أقلامهم الخضراء والحمراء التي تقرر بالموافقة عليها.
الحكومة في هذه المرحلة عليها أن تقوم بمراجعة معظم أعمال البنية التحتية القديمة في السودان ووضع خطط لإعادة تأهيل تلك البنى التحتية من شوارع ومصارف فمن يغيب عن البلاد لفترة قصيرة من الزمن ثم يعود إليها الآن يلحظ حالة من التراجع والتدهور العام على كافة الأصعدة والمستويات.. معظم ما فعلته الإنقاذ من إنجازات تحسب لها على مستوى تطوير البنية التحتية والخدمات يشهد نوعاً من الانهيار والتدهور المريع الآن..
النفايات تملأ الشوارع والظلام يغطي ليالي المدن وشوارعها غير المضاءة.. والظلام مع انهيار مشروع نقاط بسط الأمن الشامل هيأ المجال والفرصة لعودة انتشار أنواع من جرائم السرقة التي كانت قد غابت واختفت من سجلات البوليس في فترة من الفترات..
لا شيء يتطور ويحافظ على مستواه إطلاقاً وهذا يعبر عن تقصير وتفريط في المتابعة والخيال والرغبة في تسهيل الأمور للمواطنين، حالة غريبة من الإهمال وعدم المبالاة الرسمية وغياب مؤسسات المتابعة والمحاسبة ونظم الصيانة الدورية لكل تلك المشروعات التي لو استمر الحال هكذا سيأتي يوم تعود فيه الإنقاذ بالسودان لنفس الوضع الذي استلمت البلاد عليه عام 1989 وكأننا كنا نشاهد فيلماً هندياً وانتهى.
أموال ضخمة صرفتها الدولة وجهد كبير قامت به خلال السنوات الماضية في مجالات التنمية والخدمات وظلت تفتخر سياسياً بما أنجزته بالمقارنة مع أوضاع البلاد قبل 89 على مستوى الشوارع والجسور والبنى التحتية، لكن حين تفتقد تلك المشروعات إلى منهجية ضبط الجودة والصيانة الدورية والالتزام بمعايير التنفيذ السليم وشروطه تكون العبرة في الإنجاز بالناتئج.. تلك النتائج الصادمة للجميع حين يبصرون مقبرة لبصات الوالي المتعطلة في أبو آدم وغيرها من حيشان مقابر البصات الخضراء التي استجلبتها ولاية الخرطوم (أول أم بارح) وماتت (أم بارح).. إن لم يكن هذا فساداً فما هو تعريف الفساد..؟!!
على الحكومة أن توقف اعتماد أية مشروعات جديدة.. لا نريد لافتات جديدة نريد أن إعادة تأهيل اللافتات القديمة المنهارة والمحافظة عليها وتفعيلها، ركزوا عملكم فقط في تأهيل المشروعات القديمة حتى لا يستمر هذا النفخ في (القربة المقدودة).
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.


تعليق واحد

  1. معليش انا قرأتها (الغربة المقدودة) باعتبار انني مهموم بالمغتربين وضياع ملايين الخبرات والمدخرات. وإن كان الموضوع ليس بعيد عن الغربة المقدودة باعتبار ان جهاز المغتربين منذ السبعينات ينفخ في غربة مقدودة. وبعد ان فقدت الثقة بينه والمغتربين وأراهن انه لايوجد 10 مغتربين تحت ظل الجهاز إلا انه دائما ما يتحدث عن رعايته للملايين .. والعقب بكا والبقية في الملايات .