احلام مستغانمي

أرتدي الكسل عبــاءة صيفيّة (1)


عـادة ما أستعد لإنجــاز عمل روائيّ بادّعـــاء الزهــد في الكتابة. كما الحبّ، كثيراً ما تهرب منك الكتابة إن أنت أجهدت نفسك في مطاردتها، محاولاً مُحاصرة الكلمات، وإلقاء القبض على الأفكار، وشراء دفاتر جميلة في انتظار هنيهة الإخصاب الإبداعية المباركة.
بالنسبة إليّ، لا جدوى من مراجعة «روزنامتي الشهريّة». في الأدب، كما في الحياة، سأحبل في لحظة سهو ومباغتة، خارج الأيام المحدّدة للإخصاب، وخارج رحـــم المنطق الإبداعي. هكذا أنجبتُ رواياتي، كما أولادي الثلاثة، وأظنّني وُفّقتُ فيهم جميعاً، لأنّني فعلت ذلك بحب ومن دون تخطيط كلّ مرّة.
أُحبُ كسلي الصيفي. عكس ما يشي به من انشغال عن الكتابة، هو دليلها وذبذباتها التي لا تخطئ.
أذكر للراحل الكبير منصور الرحبـاني قولاً طمأنني: «إنّ الكسل أبو الإبداع.. فلولا الكسل الذي يُدخل الإنسان إلى ذاتــه، ويجعله يتأمّل أعماقه، لَـمَـا استطاع أن يُبدع».
بهذا المقياس، في إمكاني أن أدّعي أنّني مبدعة، على الأقل لأنّني امرأة كسولة “كسول “، لا ألهث بطبعي خلف شيء فتأتيني الأشياء لاهثــة. تقع في حجري كما وقعت التفاحة في حجر نيوتــن، أو على رأسه حسب رواية أُخرى، وهو يتأمّل شجرة التفاح، فاكتشف الرجل مُصادفة قانون الجاذبيّة الكونيّة.
إذا أضفنا إلى هذا صرخة إرخميدس وهو في مغطس حمّامه «وجدتها.. وجدتها»، تكون النظريّات العلميّة، كما الأعمال الإبداعيّة، وليدة لحظة كسل وسهو «إيجابي».
ذلك أنّ المبدع، كما العالِــم، لا يتوقّف في لاشعوره عن التفكير في مشروعه الإبداعي، أو موضوع بحثه العلمي، حتى عندما يبدو منشغلاً عنه بأمر آخر، أو جالساً على كرسيه الهزّاز يتأمّل شجرة أو حشرة..
[يتبع]