الصادق الرزيقي

هل كان القرار صائباً؟..


> لستُ أدري.. هل موقفنا من إيران كان صحيحاً أم لا؟.. فكل ما في الأمر وفق معطياته وظرفياته والتقديرات التي قادت إليه، فقد كان القرار من الناحية السياسية صحيحاً بتحجيم العلاقة مع طهران، ثم الانخراط في الحرب على الحوثيين في اليمن، وهم ذراع إيران في جنوب الجزيرة العربية، لينتج عن ذلك إعادة تدفئة العلاقة مع الخليج وتصحيح مسار العلاقات الثنائية مع جوار عربي مهم، وله تأثيره، ولم يكن ليتخلَّف عن قضايا السودان كثيراً. فعلى حساب العلاقة مع إيران افترعت الخرطوم خطوتها الجديدة مولية ظهرها لطهران، وهي تعلم أن الملابسات والظروف التي اقتضت هذه الخطوة، لم يكن في الإمكان أفضل مما كان. لكن الاتفاق النووي الإيراني – الغربي، قلب الأمور من زاوية إستراتيجية رأساً على عقب، وفوجئت دول المنطقة ومن بينها بلدان الخليج العربي وربما لحدٍ ما السودان، إن تدشين إيران كقوة إقليمية تمتلك القدرة على الدخول والبقاء بين أعضاء النادي النووي، وتتقاسم أسلاب المنطقة مع الولايات المتحدة وصويحباتها الغربيات، هو أمر لا مفر منه ولا فكاك. وبدا المشهد وكأن السودان حين لوى وجهه عن إيران وأغلق مراكزها الثقافية وأرسل رسالة واضحة لا غموض فيها ولا لبس بأن علاقاته العربية أهم إليه بكثير عن ما سواها، يعلم علم اليقين، أن لهب الشمس الإيرانية في المنطقة سيخمد كما خمدت نار المجوس قديماً وتصدع إيوان كسرى. لكن الشاخص من الموقف السوداني، إنه بُنيَ على حقائق موضوعية تمت فيها الموازنة ما بين الأهم والمهم، وكان التقدير أن العلاقة مع الخليج وهو العمق الإستراتيجي الأكثر أهمية من العلاقة مع إيران رغم تعاونها السابق مع السودان ووجود عقودات عمل في مجال التزويد بالسلاح والوقود في فترات متفاوتة، وتبادل الخبرات في المجالات التصنيعية والتقنية المحدودة.
> رغم ذلك، لم يُعلن السودان رسمياً أن علاقته مع إيران قد وضعت في مبرد عالٍ البرودة، ولم ينقطع التواصل والتنسيق في بعض الأمور بين البلدين، لكن العلاقة لم تعد كما كانت في أقصى درجات حرارتها، وفهم أن الخيارين المتاحين قد اختارت الخرطوم أيسرهما وأكثرهما حلاوة وطلاوة، بل وجدت أن التحولات الجارية في المنطقة وحالة السيولة العارمة قد اقتضت التوجه الصحيح بعد أن دخلت دول العالم العربي في وحل النزاعات والحروبات المتشكلة مذهبياً، ولا يوجد في هذه الحالة ما يمكن الرهان عليه غير سلوك الطريق الراهن للخرطوم التي اختارت جيش التحرير السني ورايات التوجهات الشيعية ترفرف على سواريها في عواصم بعينها كالهلال حول جزيرة العرب بشرها الذي اقترب.
> بعد كل هذا.. ما هي القراءة السليمة للموقف على إثر الاتفاق النووي الإيراني، الذي جعل من طهران هي سيدة الموقف في المنطقة كلها، ويتبارى الخطباء لودها من وزراء الخارجية الغربيين وتسعى واشنطن إلى تهدئة غضب وثائرة الخليج حتى لا يفسدون عليها زغاريد الحفل الجديد..
> فالسودان على مر تاريخه يمثل بؤرة تفكير جيدة يستبق فيها الآخرون الى فهم طبيعة الصراع والتحولات الجارية في المنطقة، فموقفه عقب غزو صدام حسين للكويت برغم التشويه المتعمَّد له، اتضح أنه كان موقفاً سليماً، ولو اسمتع العالم العربي يومها لرأي السودان المعتدل غير المتشنِّج أو المنحاز يومها، لتم تجنيب المنطقة الزلزال الهائل المدمر الذي مرَّ بها عقب سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق. ولقد درى الجميع خاصة الحكام العرب الخسارة الفادحة لذهاب صدام حسين، فقد انفتحت فوهات الجحيم من كل مكان.. ولن تتوقف هذه الحِمم المتدفقة من هذه الفوهات، وستلحقها أنياب وأظافر إيران النووية بعد حين..
> خلاصة القول، إن الأوضاع في المنطقة ماضية في تقلباتها مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي لتطمين الخليجيين أو تخويف كل العالم العربي عن الحلف الجديد بين «محور الشر» و«الشيطان الأكبر». فأين نحن من صراع الأفيال في المنطقة؟!..