عبد الباقي الظافر

ود الناس..!!


أظنكم سمعتم تلك النكتة البايخة.. عفوا سارددها على مسامعكم مرة أخرى.. سيدة سودانية كاملة الدسم مشلخة مطارق ركبت المواصلات العامة في تلك الأيام.. تلفتت السيدة يمنة ويسرى عسى أن يحترمها أحدهم ويخلي مقعدا لها في البص المزدحم.. أخيراً نهض شاب أجنبي من دولة مجاورة ذات حضارة.. ما إن جلست السيدة وجذبت نفسا عميقا حتى خاطبت الضيف ” شكرًا يا ولدي عملت ألما عملوا أولاد الناس”.
أمس نقلت الزميلة آخر لحظة عن وزير العدل تصريحا عنصريا.. الوزير أكد أنهم لن يسمحوا لأجنبي بالعمل في سوق الصادرات والواردات.. جاء ذلك التصريح أثناء تعقيب الوزير على ندوة عن قانون الشركات الجديد.. اعترف الوزير أن حظر مشاركة الأجانب في الشركات التي تعمل في مجال الصادر والوارد جاء كقرار سياسي وليس بقانون.. وذكر الوزير حسب ذات الصحيفة أنها مسألة متعلقة بمشاركة الأجانب في السودان في أشياء لا تخصهم.. وقال الوزير «لا يمكن أن نسمح لأي أجنبي بأن يشتري بهائم ويقوم بتصديرها، أو يقوم بتجارة قطاعي في سوق من الأسواق”.
شعرت بدوار بعد أن قرأت تصريحات وزير العدل.. في البداية استغربت عن اقرار الوزير بأن الأمر مجرد سياسة وليس قانونا.. إذا كان الأمر كذلك ما علاقة وزير العدل والنائب العام في هذه التفاصيل.. كل دول العالم تجاوزت مفهوم الأجنبي و(ود البلد) إلا بلدنا هذا.. اقرأ من حين لآخر إعلانات عن وظائف حكومية يشترط للمتقدم لشغلها أن يكون سودانيا ومولود لأبوين سودانيين.. راجعت دستور السودان الحالي ولم اجد هذا الشرط الغريب حتى لشاغل منصب الولاية الكبرى.. الدستور لا يشترط في شاغل منصب رئيس الجمهورية غير أن يكون سودانيا بالغا من العمر أربعين عاما.. بالإضافة لشروط دنيا.
دول كثيرة تجاوزت النظرة السالبة للاجنبي.. منذ سنوات تمنح الإمارات العربية تسهيلات للأجانب للاستثمار وتملك العقارات.. السعودية الأكثر محافظة فتحت الباب أمام المقيمين لتملك الأراضي العقارات ولم تستثنِ من ذلك إلا مكة المكرمة والمدينة المنورة.. الآن اقصر طريق لنيل بطاقة الإقامة الدائمة في أي بلد غربي هو ما تملكه من رصيد مصرفي.
في تقديري.. نحن الآن في أمس الحاجة لاستقطاب رساميل أجنبية.. ماذا نفعل اذا جاء مستثمر أجنبي محاولا الدخول في سوق تطوير الثروة الحيوانية.. إذا قدم المستثمر خطة تزيد من قدراتنا التنافسية في الأسواق الحرة.. هل نرده إلى أهله أم نطلب منه الحصول على الجنسية السودانية اولا.. السؤال الاكثر الحاحا هل رأس المال الوطني قادر على العمل وحيدا في مجال صادرات الثروة الحيوانية.. اغلب الظن لا.. نحن الآن بفضل التقلبات الاقتصادية لا نستغرب حين نسمع بدخول مستثمر سوداني إلى السجون ليبقى لحين السداد.
بصراحة.. أغلب النجاحات الاقتصادية في السودان جاءت بدفع من المستثمرين الأجانب ..سوق الاتصالات ما كان له أن يتطور لو لا دخول شركات أجنبية.. عقلية تجريم المستثمرين الأجانب ستضر باقتصادنا المنهك.