مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : بين السودان وموريتانيا


لم يمرّ سوى شهر واحد على الأزمة التي أثارها حضور الرئيس السوداني عمر البشير قمة الاتحاد الأفريقي في دورتها الخامسة والعشرين في جوهانسبرج في جنوب أفريقيا، بعد أن طلبت محكمة توقيفه امتثالاً لأمر المحكمة الجنائية الدولية. وقبل أن يرجع صدى أزمة جوهانسبيرج، سلك البشير طريقاً آخر إلى موريتانيا غرب القارة، متحدياً المحكمة الجنائية الدولية للمشاركة في القمة الأفريقية للسياج الأخضر الكبير في دورتها الثالثة.

وبالرغم من أنّ موريتانيا لم توقّع على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية، لكن المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا أدخلتها ضمن الدول المطالَبة وغير الموقعة على الميثاق، بتوقيف البشير بناءً على مذكرة اعتقال صادرة بحقه بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة خلال الحرب في إقليم دارفور.

أمّا علاقات السودان مع موريتانيا في السنوات الأخيرة فهي ملؤها التواؤم على المستوى الشعبي، وعلى المستوى الرسمي فقد كانت تقوم بأعبائها وزارات الخارجية بين البلدين، إلى أن عصفت بعض الأحداث بالوزيرة الموريتانية السابقة، ثم تبعها السفير بالخارجية عبد الله الأزرق.

تقول الحدوتة إنّ بني شنقيط استيقظوا من سباتهم بعد عام كامل ليجدوا أن وزيرة خارجيتهم المبجلة “الناها بنت مكناس” قد تم الاحتفاء بها، وقيل فيها من الشعر ما لم يقله ابن زيدون في ولادة بنت المستكفي. ولدهشتهم أنّ كل ذلك تم في قُطر عربي أفريقي هو السودان، لم يشهدوا شاعرية دبلوماسييه من قبل في التغني بوزيرات الدول الصديقة والشقيقة وإنّما تغنوا بكل الحب بالوطن وترابه. لم يكلّف المدونون الموريتانيون أنفسهم غير مشقة التشمير عن ساعد محركات البحث لتأتيهم بكل ما تم نظمه عن “الناها”.

وقد جاء في صحيفة “السراج “الموريتانية وقتها، أنّ التغزل بالوزيرة الشابة هو خروج عن الأعراف الديبلوماسية واعتبرته تصرفاً غير لائق ومهين ويجسد دونية المرأة التي جاءت تمثل بلدها، وحولتها من وزيرة خارجية محترمة إلى مجرد امرأة مثيرة لغرائز اللوعة والوجد. بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك بأن طالبوا الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز بأن يعزلها أو يمنع شعراء السودان من رؤيتها مستقبلاً لأنّهم تشببوا بها، وحسب الأعراف فإنّ العرب يمنعون من يتشبب ببناتهم من رؤيتهنّ.

لم يقع على الدبلوماسيين السودانيين الذين مدحوا الناها، ومدحوا موريتانيا في شخصها من بأس أن تُصوّب عليهم سهام المدونين وسياط لومهم بأنّ ما حدث يخرج عن الأعراف الدبلوماسية ولكن وقع البأس وكل البأس على السفير الأزرق والوزيرة بأن تم عزلهما فيما بعد، وإن اختُلقت أسباب مغايرة.

إنّ التقاء الشعر مع الدبلوماسية قديم قدم التاريخ ، فقد كان الشعراء في الجاهلية سفراء لقبائلهم لدى القبائل الأخرى. وفي العصر الحديث على المستوى العربي نجد نزار قباني وغازي القصيبي وعمر أبو ريشة وغيرهم. وعلى المستوى العالمي نجد مثلاً بابلو نيرودا الشاعر التشيلي الذي فاز بجائزة نوبل في الآداب عام 1971م . أما على مستوى الديبلوماسية السودانية فقد قدمت لنا شعراء من جيل محمد المكي إبراهيم وعبد الهادي الصديق وعبد المجيد حاج الأمين ثم جمال محمد إبراهيم وعبد الله الأزرق وغيرهم.

أول قصيدة (في هوى الناها) صاغها الشاعر السفير عبد الله الأزرق، أُلقيت على أسماع المحتفلين بمجيء “الناها” في احتفالات رسمية أضاءت ليالي الخرطوم ورد عليه السفير باباه ولد سيدي عبد الله بقصيدة أخرى اتفق الشاعران أن يدمجا قصيديتهما معاً لتأتي على نحو فريد ومنها هذا المقطع:

حيّ الميامين من شنقيط والناها * قم حيّها بحبور حين تلقاها
واحضن بها عبق التاريخ تحمله* من أرض شنقيط فيّاضاَ وموّاها
وانثر لها الورد في الخرطوم إنّ لها* ربعاً وأهلاً تاقوا للقياها
وللورود هنا سفن وأشرعة* بحبّكم كان مجراها ومرساها
قد يكون بعد الحبّ بين الشعبين حبّ آخر، ولكن ليس بعد الكفر ذنبٌ لتتوقع فاتو بنسودا من موريتانيا تسليم البشير إلى قبضة المحكمة الجنائية الدولية.