عبد الجليل سليمان

أقوال غرفة النقل الماسورة


وغرفة النقل بولاية الخرطوم تستحق أن تصنف كإحدى عجائب الدنيا (الديوانية) الرسمية، ليست لأنها مؤسسة لا يعيرها أحدٌ أدنى اهتمام، لكن لكونها لا تنشط إلا بعد (انتهاء المأتم) بسنوات، فلتردد على مسامعنا الكريمة بأثر رجعي (أقوالاً) أكل عليها الدهر وشرب، لذلك بدت لي وهي تدفع بتلك الأقوال إلى الصحف وكأنها (أطرش في زفة). وفي ظني أنها وبسبب فقدانها الإحساس بالوقت تأتي متأخرة جداً إلى حد لا يجعلها موضع سخرية فقط، بل موضع (شفقة) أيضاً، وهذا ما يجعلني أعلن تعاطفي معها لجهة أنها تتمثل دور الـ (Underdog)، في هذا المشهد (المواصلاتي) المأزوم، وكي لا يُترجِم أحد الكلمة الإنجليزية العتيدة حرفياً فيهلكنا بذلك، فمعناها هو (الخاسر أو المضطهد أو المستضعف) الذي يستحق التعاطف والشفقة.

ولكن ينبغي أن لا يعيينا تعاطفنا المعلن هذا عن الحقيقة التي لخصها أحد (الساخرين) بالمدينة بأن أطلق عبارة (الأقوال الماسورة) بدلاً عن (المأثورة) على تصريحات الأمين العام للغرفة التي دفع بها إلى صحف أمس، فماذا قال الرجل يا ترى حتى توصف أقواله بهذا الوصف، وهل تستحقه أم أن الأمر لا يعدو ظلماً وحيفاً وسوء كيل، وحتى نصل إلى إجابة موزونة تتسم بالنزاهة، فلنقرأ معاً (أقوال) أمين غرفة النقل، التي وردت في عدد أمس من يومية آخر لحظة، إذ قال (يس الفادني) لا فض (قوله): إن أزمة المواصلات حقيقية، ثم عزاها إلى تعطل عدد كبير من مركبات النقل العام وشركة المواصلات، بجانب رداءة الطرق وغلاء قطع الغيار وعدم التنسيق بين غرفته وإدارة النقل والبترول ولجنة تسيير المركبات.

قطعاً، ودونما أدنى شك، يستحق هذا التصريح السخرية كون مطلقه أمين عام غرفة النقل يعتقد أن المواطن لا يدري أن أزمة المواصلات حقيقية، لذلك تبرع مشكوراً بإخطاره بالأمر، ولم يكتف الرجل بذلك بل بذل جهداً مقدراً لم يدخر فيه الغالي والنفيس كي يجلي الأمر أكثر، فطفق يذكر أسباب الأزمة (سوء الطرق، غلاء الإسبيرات.. إلخ)، لكن دع كل ذلك جانباً، وتأمل في واحد فقط من الأسباب التي أشار إليها وهو “غياب التنسيق بين غرفة النقل التي يمثل هو لا غيره أمينها العام، وبين وإدارة النقل والبترول ولجنة تسيير المركبات”. وبالتالي، فإن وضع غرفته من حيث لا يدري في موضع التقصير وعدَّها سبباً رئيساً في تفاقم أزمة المواصلات بفشلها في التنسيق مع الجهات الأخرى التي تنظم عمل المركبات العامة، وعليه فإنه كان حرياً بالرجل، وتلك الجهات التي لم تستطع إيجاد حل لأزمة المواصلات أن يبروا المواطن الغلبان بتقيم استقالاتهم مشفوعة باعتذارات، عوضاً عن مثل هذه الأقوال (الماسورة).