الطيب مصطفى

في قاعدة (النظر إلى المآلات)


ويمضي د. عصام البشير في تتبع بعض القضايا الفقهية منحازاً إلى المدرسة الوسطية وداحضاً منطق الفقه المتطرف، ونورد اليوم حديثه عن قاعدة (النظر إلى المآلات)، ويقول حول الموضوع ما يلي:
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توجد قاعدة شرعية ذكرناها سابقاً اسمها (النظر إلى المآلات)، وقد ذكر ابن القيم أربعة أحوال في التعامل بالمعروف والأمر والنهي عن المنكر، في اثنتين يكون واجباً: إذا زال المنكر بالكلية أو خف، وحالة يكون فيها موضع اجتهاد: إذا زال المنكر وجاء منكر في مستواه، والحالة الأخيرة أن يزول المنكر ويخلفه منكر أكبر، وفي هذه الحالة يكون محرّماً ” وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” (سورة الأنعام، الآية: 108).
لذا لابد أن نعرف شروط وآداب ومآلات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال سفيان الثوري: “لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر إلا من كان فيه ثلاثة خصال: أن يكون عالماً بما يأمر، عالماً بما ينهى، عدلاً في ما يأمر، عدلاً في ما ينهى، رفيقاً بما يأمر، رفيقاً بما ينهى”. إذن لابد أن نعرف القواعد الشرعية.. وانظر لاعتذار هارون عليه السلام، فقوم سيدنا موسى عليه السلام فتنوا بعبادة العجل، وهذا من الشرك الأكبر الذي لا يمتري فيه اثنان، ومع ذلك تأخّر في معالجة هذا المنكر حتى يشدَّ عضده بأخيه واعتذر لأخيه موسى “إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي”. (سورة طه، الآية: 94).
ومتى هدمت الأصنام حول الكعبة؟ (360) صنماً هدمت بعد (21) سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، في السنة الثامنة للهجرة النبوية فتحت مكة فهدمت الأصنام، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحطّم الأصنام التي في القلوب قبل الأصنام حول الكعبة.
ــ أنت قابلت هؤلاء الشباب وناقشتهم وقلت بأنك لا تشك في دينهم وإخلاصهم، فكيف تتأتى معالجة هذه الظاهرة؟
هم – كما تفضّلت – شباب لا تنقصه الغيرة لدينه والحمية وحب الخير، ولكنهم ضلّوا الطريق. أعتقد أن هذه القضية مركبة، فيها الأبعاد الدينية والفكرية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولذلك أي معالجة جزئية ستنتج إشكالية جزئية، والمعالجة لابد أن تكون شاملة. المعالجة الشاملة تقتضي أن نتواضع لمعالجة هذه القضية أساتذة (تربويون، علماء نفس، اجتماعيون، مفكرون)، وهنالك شيء يلي الدولة من أخطاء تعمل على تصحيحها، هنالك شيء يتعلق بالمناهج التي تعزّز الفكر الوسطي، هنالك شيء يتعلق بالبناء الاجتماعي، هنالك قضايا اقتصادية (واقع فقر) فأحياناً يحمل ضيق الحال على أن يقعوا في التأثر بهذا.
التقرُّب من هؤلاء الشباب والتعرّف على همومهم وإشكالاتهم مهمُّ جداً، وأعتقد أن هناك فجوة، فلنتعامل معهم بروح الأبوة الحانية، وليس بروح القسوة واليأس منهم، نفتح لهم باب الأمل ونعتقد إذا استطعنا أن نحاورهم بهذه الروح فالمعالجة الأمنية لا تقدر لوحدها أن تصحح الفكرة الخاطئة البتة.
يمكن لهؤلاء الشباب أن يموتوا في سبيل ما يعتقدون أنه الحق، لكن الفكرة الخاطئة تصححها الفكرة السليمة، والحوار يحتاج إلى بيئة ومناخ، وبالتالي ينبغي أن يعامل هؤلاء الشباب حتى وإن كانوا في المعتقل بمقتضى الكرامة الإنسانية، والكرامة الايمانية، والواجب الشرعي والأخلاقي، فتتاح لهم الفرص كاملة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في مناخ صحي، وأعتقد – إن حدث هذا – أن كثيراً منهم يمكن أن يستجيب، ومن أصرّ بعد ذلك وأراد أن يستعمل القوة فالقانون يأتي، تردع من يريد أن يقوض أمن المجتمع باستعمال القوة، ولكن من كان سلاحه الفكر يمكن أن نعالجه بالفكر، وأتمنى أن تتم معالجة متكاملة لهذه القضية.
ينبغي أن لا نتحدّث عن التطرف في أحد شقيه وهو التطرف الديني فقط، إذ لابد أن نتطرق للتطرف الآخر الذي ينسف أيضاً ثوابت الدين ويشكك في المسلمات ويزدري الرموز والمقدّسات، الأمر الذي يجعل الشباب يغلي، فإذا سكتنا عن منكر التطرّف العلماني واللاديني فسنساهم في تغذية التطرف الديني، لأنهما وجهان لعملة واحدة.
في تربة عرفت بالتسامح كالتربة السودانية وبلد عرف عن أهله التسامح، وبلاد ترفع شعار الإسلام وتحكيم الشريعة الإسلامية يستغرب إنبات هذه الظاهرة؟
العالم انفتح على بعضه، وبعض هؤلاء الشباب أصيب بالغلو نتيجة التواصل مع مواقع من “أبو فلان، وأبو فلان”.. بعضهم يريد أن يذهب إلى الصومال أو العراق أو مالي، باعتبار ذلك أقرب طريق إلى الجنة، فبعضهم لا يصوب القضية للواقع، وبعضهم يرى اختلالات مثل أن الدولة ترفع راية الشريعة ولكن على أرض الواقع عندها اختلالات كثيرة. والأخير يتحاور معه في أشياء قد تكون صحيحة في تفكيره تنصح وتنبه فيها الدولة لتصحح أخطاءها، ولكن مادام في الدولة الأخطاء على مستوى السلوك لا الاعتقاد فباب المناصحة مفتوح، والمنابر مفتوحة. الإنسان ينصح ويقول ما يشاء، والصحف في اليوم التالي تأتي بما يقوله الأئمة والخطباء نصيحة واستدراكاً على مواقف الدولة.. إذن الأمر فيه سعة.