تحقيقات وتقارير

رئيس البرلمان يرسم ملامح المرحلة المقبلة


دشن رئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر”، في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً ملتقى الإعلام والبرلمان الذي عقد بالمركز السوداني للخدمات الصحفية، وهو ملتقى يهدف إلى تأسيس علاقة جديدة بين الإعلام والمجلس الوطني من جهة، وإضفاء الشفافية على أعمال المجلس من الجهة الأخرى.
على غير عادة السودانيين، وكثير من المسؤولين، كان رئيس المجلس دقيقاً في مواعيده، وقد ابتدر حواراً مستفيضاً مع أجهزة الإعلام الداخلية والخارجية، التي ضاقت بممثليها جنبات القاعة. وفي الموعد المحدد تماماً، دلف إلى القاعة رئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم” مرتدياً جلبابه الأبيض ليدشن الملتقى الذي أداره الكاتب ورئيس تحرير صحيفة (السياسي) الأستاذ “مصطفى أبو العزائم”.
استهل البروفسور “إبراهيم أحمد عمر” حديثه بلمحة عابرة عن البرلمان وتكوينه والدور الذي يضطلع به، فوصف الدورة الحالية بالمميزة باعتبار أنها متنوعة بعدد الأحزاب المشاركة فيها، بجانب القضايا الساخنة التي تحيط بالساحة، ومنها عملية الإصلاح الوطني والحوار، مشيراً إلى أن الأحزاب التي خاضت الانتخابات بلغت (42)، وشارك منها (41) حزباً. وأبان بعض ما أنجزته الدورة الحالية في الفترة الماضية، التي بلغت شهرين و(10) أيام، منها تشكيل اللجان وتقسيم المهام فيما بينها، وقد تكونت (12) لجنة، حظي المؤتمر الوطني منها بــ(7) لجان والبقية ذهبت للأحزاب الأخرى.
وسلط البروفيسور الضوء على العلاقات الخارجية، مشيراً إلى أنها ليست أقل أهمية من العمل الداخلي، مسترسلاً بأن البلاد يتم التجني عليها من الخارج أكثر من الداخل، وذلك عبر وسائل الإعلام التي تعكس حقائق إما ناقصة أو غير صحيحة، وقال: (من هذا المنطلق، قررنا التعاون مع الجهات المعنية للمساهمة في إبراز صورة صحيحة عن السودان، وذلك عبر إزالة العوائق التي تشكل عقبة، ومنها دفع الاشتراكات بالمنظمات والمؤسسات العالمية).
وتطرق بالحديث إلى الخبر الذي أثار جدلاً واسعاً على خلفية سرقة كراسي من مطعم بالبرلمان، موضحاً بأن المطعم خارج مبنى الجهاز التشريعي على الجهة الشمالية ويتبع لنقابة العمال، وليس فيه أي مساس بهيبة مبنى سيادي.
وتناول البروفيسور “إبراهيم” قضية الإصلاح، مبيناً أن برنامج إصلاح الدولة الذي طرحته الحكومة الحالية قد بدأ وهو يمضي إلى غاياته دون انتظار ما سيخرج به الحوار الوطني والتوافق السياسي. واسترسل قائلاً: (الحوار الوطني مشروع سياسي يشمل المكونات السياسية كافة، ولا حجر على أحد فيه)، موضحاً أن قضية الإصلاح أفرزها الواقع الحالي في قضايا الناس والاقتصاد. وتمنى أن تحظى الدورة الحالية للبرلمان بوضع الدستور الدائم للسودان باعتباره يمثل (أبو القوانين)، إذ إن من شأنه حلحلة القضايا العالقة كافة.
وقال، لدى إجابته عن أسئلة المتداخلين بالملتقى، إن البرلمان لن يتوقف في انتظار مخرجات الحوار الوطني، لكنه سيمضي بهدف إحداث توافق وإصلاح، وصولاً إلى مخرجات الحوار، مضيفاً: (نأمل أن يقود البرلمان الحوار المجتمعي). وقال إن تفشي الجهوية والقبلية في الفترات السابقة أسهم بشكل مباشر في خلق التوترات والنزاعات المسلحة، مؤكداً أن الحكم الاتحادي هو الأمثل لحكم السودان، مشيراً إلى أنه ليس هناك مبرر لاستطالة القضايا التي تولد أخرى تصرف الناس عن الهمّ العام.
وأوضح البروفيسور “إبراهيم” أن الهيئة التشريعية في دورتها الحالية قامت بترتيب البيت من الداخل، من حيث توزيع اللجان والمهام، إلى جانب المشاركات الخارجية للمؤسسات البرلمانية على المستوى العربي والأفريقي والدولي، معلناً عن زيارة سيقوم بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في منبر اتحاد البرلمانات الدولية، بجانب زيارة إلى روسيا خلال شهر أكتوبر القادم للمشاركة دورة البرلمان الروسي.
وأكد رئيس البرلمان حرصه على المال العام ليصرف فيما حدد له، دون أية محاولات للتجنيب أو الفساد، مشيراً إلى قرار البرلمان الخاص بمنع لجانه من تقبل أي دعم أو مساندة من جهة خارجية تنفيذية كانت أم منظمة أو جمعية أهلية، بهدف عدم التأثير على قراراته، إلى جانب منع أعضاء البرلمان من الحج على نفقة الدولة. وكشف عن استعانة البرلمان بخبراء من خارجه في المجالات التخصصية لعون اللجان في إخراج القرارات بصورة علمية، مؤكداً أن المجلس الوطني يعمل في إطار نظام ديمقراطي حزبي بمشاركة جميع القوى السياسية داخله. وقال إن البرلمان مستعد للتعاون التام مع الإعلام الداخلي والخارجي، بشرط أن يعكس الإعلام الأخبار والمداولات بأمانة ومصداقية.
وأشار رئيس البرلمان إلى أنهم سيتوجهون في الفترة المقبلة للاستفادة من الخبرات السودانية عبر لجان البرلمان المختلفة، وذلك لإيمانهم التام بأنها غير مستغلة بصورة صحيحة، ويستفاد منها خارج السودان في منظمات دولية وغيرها، وأكد أن البرلمان ليس ضد الحكومة أو ضد أية جهة أخرى، مضيفاً إن البرلمان والجهاز التنفيذي والجهاز القضائي جميعها تعمل بتناسق من أجل مصلحة الدولة. وقال “عمر”: (دورنا إذا أخطأت الحكومة أن نقوم بتصويبها، وإذا أصابت نؤيدها)، مؤكداً التزام البرلمان بالشفافية في جميع الخطوات، وقال إن البرلمان حظر على جميع النواب استغلال أي دعم حكومي أو غير حكومي سواء أكان بغرض التدريب أو غيره، مشيراً إلى وجود تنسيق كامل بين مجلس الولايات والمجلس الوطني، إلى جانب وجود لجنة مشتركة بين المجلسين.
وأوصى رئيس البرلمان بضرورة الاهتمام بالتعليم العالي، الحكومي والأهلي على حد سواء، موضحاً أن البرلمان لن يستجيب لأي ضغوط دولية، كما أنه لن يستجيب لأية جهة تحاول المساس بكرامة السودان أو أي ضغط من أية دولة، مضيفاً: (نحن دولة ذات سيادة وكل العالم الآن يعمل بسياسة القوة، وبقدر قوتك وتماسكك يمكن أن تواجه العالم).
ولم ينس رئيس البرلمان التعليق على التصريحات المتضاربة للمسؤولين بالدولة، أو كما سماها أحد المتداخلين بــ(التصريحات غير المنضبط)، وقال إن المطلوب من كل جهة أن تكون مسؤولة عن سياساتها، ويكون لها ناطق يتحدث باسمها، حتى لا يحدث تضارب بين المؤسسات يدل على عدم التنسيق بينها، وأوضح أنهم في البرلمان لن يمنعوا نواب أو رؤساء اللجان من الحديث، لكن لابد من نسبة الحديث إلى من تحدث به وعدم نسبته إلى البرلمان لأنه قد يكون رأياً شخصياً.
ونوه بروفيسور “عمر” إلى أنهم في أتم الاستعداد للتعاون مع الإعلاميين لعكس ما في البرلمان بصدق وأمانة وموضوعية، موضحاً في ذات الوقت أن من حق الهيئة التشريعية الرد والتصحيح إذ لزم الأمر، مضيفاً إن البرلمان فتح الباب للإعلام للإطلاع على عمله فيما يتعلق بشؤونه أو السياسات الكلية للدولة، وقال: (ومن يرى أن مؤسساتنا تدار بصورة خاطئة عليه أن يعكس ذلك، حتى ينصلح الحال طالما كانت هذه المؤسسة ضمير الشعب).
واعترف البروف بحدوث مشكلات وتدخلات من الجهاز التنفيذي في عمل الإعلام، لكنه قال إن التوجه العام للدولة أن تكون هناك حرية وانفتاح نحو الصحافة باعتبار أن المسيرة لابد لها من إصلاح، داعياً الإعلاميين أن يكونوا عارفين بمصلحة بلادهم.
وحظي الملتقى بنقاش عميق من الإعلاميين الحاضرين عن ضرورة إيجاد رؤية إستراتيجية عميقة للعلاقة بين الإعلام والبرلمان، تقوم على حق المواطن في الحصول على المعلومة، إلى جانب فتح الباب لبث مداولات البرلمان للقنوات الخارجية، باعتبار أن اتساع الفضاء العام يساهم في تحسين صورة السودان خارجياً، وتشجيع مشاركة نواب البرلمان في البرامج التي يقدمها الإعلام الخارجي، وضرورة قيادة البرلمان للحوار الوطني، وقيادة مبادرة لدعم مشروع الجزيرة، ووضع معاش الناس وإصلاح الخدمة المدنية ضمن الأولويات، إلى جانب العمل على إعادة ثقة المواطنين في البرلمان وقدرته في حل قضاياهم.

المجهر السياسي