حيدر المكاشفي

الحوار (أخير من قعاد ساكت)


بعد أن ضحكت وقهقهت حتى أشرقت عيناي بالدمع، استغفرت الله وقلت (الله يجازي محنك يا الدويد)، فهكذا هم دائماً مبدعينا فنانو الكاريكاتير ينفعلون ويتفاعلون مع قضايا وطنهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. الخ، ثم يلخصونها في رسمة معبرة وعبارة جامعة ومانعة تغني عن مئات الكلمات، وهذا ما فعله بالأمس على خامسة هذه الصحيفة (التغيير) زميلنا الكاريكاتيرست علي الدويد.. الدويد جعل سيدة سودانية غاضبة من عطالة زوجها المتطاولة تخاطبه بحدة وهو يستمع لها في انكسار قائلة (وكت قاعد لي ساكت كده ما تخش الحوار الوطني ده.. أخير من قعاد ساكت)، وكاريكاتير الدويد يعيد للأذهان الطرفة المشهورة عن تلك الجدة (الحبوبة) التي سألت أحد أحفادها بعد مرور زمن ليس بالقليل على تخرجه في الجامعة، ما إذا كان قد توظف أم لا، قال الحفيد لسه عاطل، وبسبب عطالته التي طالت قالت الجدة وكأنها تواسيه (برضو أخير من قعاد ساكت)، وقد بدا لي عطفاً على كاريكاتير الدويد أن الحكومة وحزبها تنظر للحوار الذي أزمعته وربما زعمته من كثرة ما أعاقت بدئه بمطاولات ومناورات مستهدين بنظرية (أخير من قعاد ساكت أو ربما القحة ولا صمة الخشم)، أو ربما يتغير التكتيك ليصبح (الحوار لمن يهمه الأمر) على غرار الطرفة الأخرى التي تحكي عن زوجة أصبحت تصف زوجها بأنه بقى (كحيان ومكعكع)، والزوج استفزه الكلام وعاود أحد الأطباء وخضع لعلاج مكثف حتى استعاد حيويته ونشاطه وذهب لزوجته يبشرها بذلك، ولكنها لم تصدقه وطالبته بشهادة موثقة من الدكتور، تعاطف معه الدكتور وحرر له شهادة تقرأ إلى الحاجة فلانة، بهذا نشهد أن الشيخ فلان تناول العلاج وأصبح في حيوية شاب في سن العشرين، عندما قرأ الشيخ الشهادة قال للدكتور: سيبك من حاجة فلانة دي اكتب لي الشهادة (إلى من يهمهم الأمر)، أو ربما بطريقته هذه انتهى إلى صيغة (جورج الخامس يفاوض جورج الخامس) على رأي الزعيم سعد زغلول..
أما الحوار الوطني الحقيقي والجاد والحضاري فمن أول شروطه أن يكون وسيلة لغاية وليس هدفاً لذاته، بمعنى أن يكون الحوار من أجل الحوار فحسب، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأطرافه متفقة على القضايا موضوع الحوار، ونية الطرفين منعقدة فعلاً للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك وخاصة إذا جاء بفهم (أخير من قعاد ساكت)، فلن يكون سوى (طق حنك) أو مناجاة حبان محكوم عليه بالفشل قبل بدئه، ولن يورث شيئاً سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلاً…


تعليق واحد

  1. سلام عليكم السيد/المكاشفي
    عندي مقال للنشر لكن بريدك لا يستلم الرسائل فارجو ارسال العنوان البريدي لرئيسة التحرير مع شكري