الصادق الرزيقي

لـــقــاء بـكــــــري


> بالأمس كنا في لقاء مع النائب الأول لرئيس الجمهوية الفريق أول ركن بكري حسن صالح، الذي استقبل بمكتبه بالقصر الجمهوري، قادة الصحافة العربية ممثلة في وفد اتحاد الصحافيين العرب الذي يزور السودان حالياً، بمناسبة انعقاد اجتماعات ورشة الحريات الصحافية في العالم العربي، ولم يكُ في الحديث غير الحريات الصحافية وواقع الممارسة المهنية وعلاقة السلطة بالصحافة في العالم العربي وفي السودان. ومثل هذه اللقاءات تتسم بالصراحة والوضوح الكاملين. فالصحافة تقدم كل ما عندها وتقول ما لديها بكل ما يحمله المشهد من تفاصيل ومعطيات وحقائق، والسلطة تقول أيضاً ما تريده وتضع الأمور كلها على الطاولة.
> مخاطر كثيرة تمر بالوطن العربي الغارق في وحل أزماته وحروبه واحتقاناته، كانت هي مقدمات الحديث الطويل الصريح الذي دار، وليس السودان جزيرة معزولة عما سواه، فما يعانيه وطننا العربي الكبير بأشكال مختلفة وسيناريوهات متنوعة، لا يجعل الحديث عن السودان يختلف عن بقية أقطارنا العربية، ولايختلف كثيراً سلوْ السلطة السياسية في كل بلد عن الآخر، لكن الصحافيين العرب وأعضاء لجنة الحريات الصحافية نظروا للسودان من زوايا مختلفة، لكن صوبوا نحو هدف ومرمى واحد، هو أن السودان أفضل بكثير من كل بلدان الوطن العربي في أمنه وطمأنينة شعبه، فهم ليسوا صحافيين مبتدئين أو موالين لسلطة، هم لجنة الحريات العربية لديهم حساسية عالية في التعامل مع الحكومات والسلطات الرسمية، ولديهم هواجسهم المتعلقة بالحقوق والأمن، ليسوا قريبين بأي حال من الأحوال عن أمزجة الحكام وأهواءهم. ومن يعمل في هذا المجال الدقيق، لا يمكنه أن يثق في أية سلطة بسهولة وحُسن نية.. لكن هؤلاء الإخوة لديهم رؤية مختلفة للسودان، فهم قادمون من عواصم تئن تحت أزيز الرصاص وعواصف الموت اليومي، وعلى مقربة من فوهات البراكين التي تُلقي حممها كل يوم على طول العالم العربي وعرضه، رأوا في السودان أماناً لم يروه في بغداد أو دمشق أو القاهرة أو صنعاء وعدن وتعز وطرابلس، أو المغرب العربي الكبير أو عواصم ومدن الخليج التي لعلع فيها الرصاص وهزتها الانفجارات التي وصلت حتى المساجد ودور العبادة..
> وجد الصحافيون العرب الخرطوم ومدن السودان تعيش أمناً تُحسد عليه، وأن السودان برغم جراحه الغائرة والاستهداف الذي يواجهه قادر على الحياة والتفاعل مع قضايا أمته، يعيش أهله في سكينة وطمأنينة وراحة بال، لا يهدد أهله التطرف والتشدد والمغالاة أو المجموعات التي تمارس العنف أو عنف الدولة المتعسف المُطلق كما تفعل بعض الأنظمة العربية.. ووجدوا أن شعب السودان يأكل سياسة ويشرب سياسة، ليس في الخرطوم التي رأوها وعاشوا فيها أياماً إلا ذلك الاختلاف المبين بينها وبين عواصم عربية أخرى. النشاط والتفاعلات السياسية والأنشطة الحزبية والمساجلات وأحاديث المدينة التي تحسسوها في كل مكان، تتناول الشأن السياسي والمعيشي، وتلعن الحكومة وتؤيدها دون أن يتعرض أحد لسحل أو اعتقال..
> هذه الانطباعات التي وضعوها أمام النائب الأول لرئيس الجمهورية، لم تمنعهم من الحديث عن الحريات الصحافية في السودان والعالم العربي وملاحظاتهم وتحفظاتهم عن الفضاء القانوني والتشريعي الذي تعيش تحته الصحافة ومستقبلها في ظل واقع متغير يسير بسرعة البرق الخاطف.. وقالوا إن صورة السودان المنعكسة على الخارج ويتم تشويشها تحتاج إلى علاج ناجع. فحرية الصحافة والحرية السياسية والحوار الوطني، هي الطريق السليم لمعالجة قضايا السودان المتداخلة والمتشابكة، فلا حرية ولا استقرار بدون الصحافة الحرة والإعلام النزيه الفاعل القادر على مواجهة الهجمة على الدولة والمجتمع.
> ردود الفريق بكري وحديثه كان شافياً في كثير من جوانبه، أعلن أن الدولة مع حرية الصحافة وتتطلع إلى يوم ترى فيه الإعلام والصحافة بلا قيود وما تقضيه أوضاع السودان وهو يواجه حروبات وهجمات واستهداف خارجي، تجعل الصحافة تسير وفق شارات المرور الخضراء والصفرا والحمراء، لكن الدولة وهي تفكر في بناء وطن معافى من المواجهات والتوترات والمرارات، لابد له من صحافة حُرة ترشد الجميع لمكمن الأخطاء ومكان العلل، وتكشف الطريق للحكومة والمجتمع وسط قطع الظلام، وفي سبيل ذلك كشف عن خطط الدولة الرامية لصون السلام الاجتماعي وحفظ هيبة الدولة وكفالة الحريات وتأمين مهنة الصحافة ودعمها عبر مراجعة السياسات الجمركية والضريبية لتسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج وخفض كُلفتها ومساعدة الصحافة على تطوير صناعتها والقيام بوظيفتها وواجباتها..
> خرج الصحافيون العرب من لقاء النائب الأول، بأن السودان بخير بقادته وتفهمهم لواقع ومطلوبات الراهن الحالي لبلد يواجه تحديات كثيرة ويتطلع لغد أفضل، وهذا ما يجعلهم يدعمون السودان ويقفون معه وسيتدافعون من أجله.