مقالات متنوعة

محمد لطيف : القلم لا يزيل بلم.. والمبضع كذلك


كان مدهشا أن تتصل من تحمل صفة طبيبة.. بل واختصاصية لتعترض على علاج مرضى.. أيا كان هؤلاء المرضى.. وأيا كانت دواعي أن تتصدى الدولة لتقديم هذه الخدمة لهم.. نعم حدث هذا.. حيث كان الدكتور عمر محمود خالد يستضيف في برنامجه الشهير (صحة وعافية) بفضائية النيل الأزرق.. وزيرة الدولة بالصحة السيدة سمية إدريس حين عرجت للحديث.. عرضا.. عن ترتيبات جارية لنقل جرحى يمنيين إلى السودان من ضحايا العمليات العسكرية التي تشهدها اليمن الشقيق.. لتلقي العلاج في السودان.. كانت الوزيرة قد أشارت كذلك لأن مجموعة من أطباء السودان.. يواجهون أقسى الظروف في تلك اللحظات لتمثيل بلادهم.. ولتقديم ما يمكنهم تقديمه من دعم لضحايا الحرب هناك من المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة.. ولأن راعي الضأن في الخلاء يعلم أن ثمة أزمة في إدارة الدولة في اليمن.. ولأن المؤسسات العلاجية من مشافٍ وغيرها.. كانت جزءا من المنشآت العامة التي جرى ويجري تدميرها.. إما عمدا أو كنتيجة طبيعية للفوضى السائدة هناك.. فقد كان طبيعيا كذلك أن يرى الفريق الطبي السوداني الذي ذهب إلى هناك.. أن ثمة ضرورة تقتضي نقل بعض الجرحى إلى مشافي السودان.. إما لحاجتهم لتدخلات جراحية أساسية.. او لحاجتهم لمزيد من العناية الطبية.. وفي كل الأحوال فما قدره أولئك الأطباء هو واجب أخلاقي وواعز مهني فرضته عليهم إنسانيتهم.. وذلك القسم الغليظ الذي أدوه.. والالتزام القاطع على أنفسهم بتقديم كل ما يستطيعونه لمساعدة المرضى دون تحديد لون أو جنس أو دين.. ولكن يبدو أن اختصاصيتنا المحتجة على علاج المرضى.. لم تحضر حصة القسم هذه..!
ولعل رؤية الأطباء قد تطابقت مع قرار مسبق اتخذته المراجع العليا في الدولة يقضي بتقديم كل الدعم الإنساني الممكن للأشقاء في اليمن.. أي أن القرار الإنساني في هذا الأمر قد سبق القرار السياسي.. عليه بدا غريبا أن ينطلق الاحتجاج على علاج المرضى اليمنيين.. من منطق أن ظروف السودان لا تسمح.. أو أن ثمة أولويات كان على الدولة أن تهتم بها قبل الاهتمام بعلاج الجرحى اليمنيين.. ويسأل سائل: أي مبرر هذا الذي يفرض على طبيبة أن ترفض علاج جرحى.. مهما كانت المبررات التي تحتم هكذا منطق..؟
حين يطالع القارئ هذه السطور سيكون الفوج الأول من جرحى الحرب في اليمن قد وصل بالفعل إلى السودان.. أو هكذا يفترض.. وليت الاختصاصية الرافضة لعلاج الجرحى تكون قد اطلعت على أحوالهم.. كما اطلعت على مواقف الحكومات الأوروبية التي تتراجع الآن عن مواقفها لصالح حق أي مواطن في أي بقعة في العالم.. أن يجد من الاحترام والتقدير والعناية.. فحق الإنسانية فوق كل الحقوق الأخرى بما فيها القوانين الوطنية.