عبد الجليل سليمان

أين نحن


قال (محمد فضل الله) وهو صحفي متخصص في الرياضة، قال أمس لبرنامج (BNFM) الذي تبثه فضائية النيل الأزرق صباح كل يوم، إنه أكثر ما أدهشة وأخذ لبه وعقله – وربما فاجأه – أيضاً، وهو يشاهد مباراة المغرب وجُزر ساوتومي وبرينسيب ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 2017م بالغابون، هو الملعب الذي جرت فيه المباراة بساوتومي التي لا يتجاوز عدد سكانها (300) ألف نسمه هم خليط من الأفارقة والبرتغاليون ومساحتها (1000) كلم، وتعتمد في اقتصادها (الهش) على محصول الكاكاو.
فيما لو وضعنا تعليق (فضل الله) كديباجة لـ (كتابة ناقدة) فإن ما يليها سيتسع لإدراج عناوين وموضوعات كثيرة في نقد (ثقافتنا) السائدة، ونظرتنا لأنفسنا والآخرين ضمن مقاربات واقعية (حسنة الظن) – إن شئت.
وفي هذا الصدد، كنت أشرت في أكثر من مناسبة إلى أن اقترابنا من الآخرين ومعرفتنا بهم أمر لم يتحقق حتى الآن، وإن كنا – غالباً – ما ندعي ذلك، وربما هذا الجهل بالآخر هو ما يجعل (جلنا) – خاصة وللأسف (مثقفينا)، يعتقدون أننا الأفضل مقابل الأفريقيين – على وجه الخصوص- ويعلنون ذلك صراحة في تعليقاتهم وكتاباتهم ومنتدياتهم، الأمر الذي كرس بمرور الوقت ما يشبه الرأي العام (المتفق عليه) وسط (المواطنين العاديين)، على أن (نحن الأفضل) هي الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدل ولا القسمة.
بطبيعة الحال، فإنه بعد انفتاح الشعوب على بعضها أعقاب ثورة الاتصالات الهائلة التي توفر تواصلاً بينياً مستمراً تُبذل خلاله حوارات وتبادل للصور وتداول للمعرفة، تعرض هذا الرأي العام لهزات عنيفة أشبه بالصدمات أحياناً، أعقبتها اعترافات (على حياء)، وفي نطاق ضيق بأننا لسنا بالقدر الذي نتصوره عن أنفسنا، وكذلك فإن الدول والشعوب الأخرى ليست في تلك الدرجة التي نضعها فيها، ثم رويداً اتسع ذلك النطاق وصرنا نقترب من حقيقتنا بذات المقدار الذي نقترب به من حقائق الآخرين، وهذا أمر رائع ومفيد جعلنا نسخر من مقولات أسلافنا “استاد الخرطوم أجمل وأكبر استاد في أفريقيا والشرق الأوسط، جامعة الخرطوم الأولى على أفريقيا والثالثة على العالم، السوق الأفرنجي أجمل أسواق.. إلى آخر القائمة”، لأن كل ذلك انكشف بفضل الفضاء المفتوح والتواصل العميق بين الشعوب.
الآن، أي منا، يعرف تماماً بأن هنالك ملاعب في الغابون، غينيا الاستوائية، الكاميرون، نيجيريا، مصر، الجزائر، بنين، موريشيوص، ساو تومي، جنوب أفريقيا، سوريا، السعودية، الأردن، على سبيل المثال لا الحصر، كونها دول تقع ضمن أفريقيا والشرق الأوسط، أجمل وأكثر سعة بما لا يقارن من ملاعبنا، وقس على ذلك مختلف المجالات وقارب وقارن، فإن ذلك يجعلك متوازناً كونك تدري أين تقف من الآخرين، وبالتالي تضع نفسك في الطريق الصحيح نحو التطور والنهضة، في الوقت الذي سنذهب فيه نحو الهاوية كلما أنكرنا واقعنا ورفضنا الاعتراف به على علاته ومزاياه.