عبد الجليل سليمان

مثل أردوغان على الأقل


يحاجج بعض الإسلاميين السودانيين برجب طيّب أردوغان، ويتخذونه مثالاً يحتذى لنجاح تجربة الإسلاميين (المُحدثين) في الحكم وإدارة الدول، إلاّ أنهم يقعون فريسة (حجتهم) كون السيد (أردوغان) لا يدير بلاده وفقاً للأنظمة التي تقترحها وتتبناها جماعات الإسلام السياسي من أقصى يمينها (الداعشي) إلى وسطها (الإخواني).
صحيح أن الرئيس التركي وكابينته، ينتمون فكرياً إلى تيار الإخوان المسلمين، وهو كما أشرنا البارحة تيار ديني براغماتي (ميكافيلي) يلعب السياسة والدين على حبال كثيرة، وبالتالي فإنه يمتلك خاصية (حربائية) في هذه الممارسة، فمنذ تخليه عن ممارسة كرة القدم ضمن نادي (قاسم باشا) وانضمامه إلى حزب الخلاص الوطني تحت قيادة نجم الدين أربكان في سبعينيات القرن المنصرم، ثم لاحقاً إلى (حزب الرفاه) نحن إمرة ذات الرجل، وفي الأثناء زُجّ بأردوغان في السجن بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، إلى أن أُفرج عنه بعد (10) أشهر، بعدها فاز بانتخابات عمودية مدينة أسطنبول عن حزب الرفاه.. وهكذا تمضي سيرته إلى ما هو عليه الآن.
إذن، فالرجل ما إن انتسب إلى السلك (الحكومي/التنفيذي) حتى فارق أحلامه القديمة بتطبيق نظام حكم إسلامي في الاقتصاد والسياسة والقانون والحدود الشرعية، وانخرط تماماً في النظام المدني – تقرأ العلماني – لمن يشاء، السائد في تركيا ضمن اللعبة الديمقراطية، وبهذه الطريقة، فإن أي محاولة لتوصيف النجاح النسبي الذي حققه حزب العدالة والتنمية وأردوغان شخصياً في إدارة الدولة التركية، لذلك فإن عزو هذا النجاح إلى الإسلاميين الأتراك وحدهم أمر فيه افتئات على الحقائق، فلولا أن منظومة (الإسلام السياسي) التركي، وافقت على العمل ضمن شروط النظام الليبرالي الديمقراطي، المدني/ العلماني، لكانت نالت من الفشل ما ناله نظراؤها في السودان ومصر، على سبيل المثال لا الحصر.
لكل ما سبق، فإن على المحتفين كلياً أو جزئياً بنجاح التجربة الأردوغانية في تركيا أن يدركوا أن أهم عناصر نجاحها بل مركزه، هو قبولها بالعمل ضمن نظام سياسي مدني، وهذا ما ترفضه – فيما عدا النهضة التونسية – جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
بطبيعة الحال، ينبغي علينا هنا أن لا نغفل عن أمر مهم في الصدد، وهو ما يستتبع النشاط السياسي من إحالات ومرجعيات ثقافية، فالثقافة التركية في التعاطي مع الحياة (بصفة عامة)، لا تتطابق مع الثقافة السائدة في المنطقة العربية، فهذه منغلقة ومنكفئة على نفسها كونها تربط الإسلام بالعروبة فتضيف عليه عبئاً عرقياً ذا بعد عنصري، وتلك أكثر انفتاحاً كونها تعد الإسلام للناس كافة، وهكذا يمكن النظر لتجربة (إخوان تونس) من رهط الغنوشي كونهم ذوي وشائج بجوارهم الأوروبي الواسع وفضائهم الداخلي (الأمازيغي) الأكثر اتساعاً، وبناءً على ذلك فهم أكثر ليبرالية وانفتاحاً على الآخر، بطبيعتهم/ تربيتهم، وهذا سبب آخر للنجاح.
إذن، هل يمكننا القول إنه ليس أمام جماعات الإسلام السياسي كي تتعايش مع من حولها وتبزهم سياسياً أن تقبل بسلمية ومدنية اللعبة، وتنخرط في الأنظمة المدنية مثلما فعلت النهضة التونسية ويفعل العدالة والتنمية التركي، فتصيب – على الأقل – ما أصاب أردوغان احترام، أم أنها ستظل تقفز كأرنب مذعور مرة مدنية ومرة إسلامية.