حوارات ولقاءات

حوار لا تنقصه الصراحة مع د. حسين كرشوم الخبير الإستراتيجي وعضو وفد التفاوض


تفاصيل الملف تبدو معقدة.. وضبابية.. ما جعلنا نتساءل ونطرح العديد من الأسئلة حول راهن ومستقبل الملف برمته.. ما العقبات التي تقف حائلاً دون إحراز تقدم يذكر. لماذا يتعامل مجلس السلم والأمن الإفريقي بتناقض تام، ويتعمد خرق اللوائح وإضعاف آليته التي سماها «رفيعة المستوى»؟ولماذا يتهم البعض رئيس آليته بالفشل التام في اختراق ملفاته، وحال ثقة المجلس وطرفي التفاوض في مقدرات الرجل، ما هي أسباب عدم إحراز أي تقدم في الملفات المطروحة.. من دبر اجتماعات مجموعة نداء السودان مع مجلس السلم، ولماذا تخطت آلية أمبيكي؟ من يسعى حقيقة لتدويل تلك الملفات، وهل نجح في ذلك؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى عديدة، طرحناها على الخبير الإستراتيجي د. حسين كرشوم.. أجاب عنها بصراحة لا يشوبها حذر.

> اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي مؤخراً بنداء السودان يعد خرقاً صريحاً للوائح؟ كيف تنظرون إلى ذلك؟ وهل توجد جهات خارجية تملي على المجلس أجندتها؟
< المجلس.. صحيح تحاول بعض الجهات، بالذات الإدارة الأمريكية تحديداً ودول الترويكا، هؤلاء يحاولون السيطرة على المجلس، لكن المجلس فيه الأصالة الافريقية وهذه الأصالة عبر عنها، عندما تدخل الاتحاد الإفريقي في مالي ملوا على فرنسا أن تكون قيادة هذه القوات عند تشاد.. بقت هذه التجربة التي تحدى فيها مجلس السلم الإفريقي الاتحاد الأوربي. وبالتالي سارعت إوربا بتكوين لجنة مشتركة…
> هذا يعني أن هنالك استقلالية من قبل المجلس؟
< نعم.
> من يمول المجلس، وعلى من يعتمد في مصادره الأجنبية؟
< المجلس يعتمد في تمويله على الاتحاد الافريقي، والجزائر من أكبر الدول التي تسهم في تمويله.
> هذا يعني أن هنالك استقلالية؟
< نعم توجد استقلالية بدرجة كبيرة جداً، هذه الاستقلالية المالية جعلت المجلس مستقلاً، وهذا أحدث توازناً في قراراته، لكن هذا لا يمنع أن عضوية المجلس فيها بعض الدول التي تتبنى مواقف متباعدة جداً مع السودان، مثل جنوب إفريقيا، بشكل أو بآخر تحاول ان تؤثر في عملية اتخاذ القرارات. مجلس السلم هي تجربة يراد لها أن تتطور لتصبح مجلس الأمن الافريقي، هنالك الآن سعي حثيث من مجلس الأمن الدولي لتحويل أغلب القضايا الافريقية إلى مجلس السلم الإفريقي. وللمجلس تجارب ناجحة من بينها القرار «456» الذي حدد بموجبه موضوعات التفاوض بين الحركة الشعبية قطاع الشمال والحكومة السودانية. كذلك القرار «2023» الذي بموجبه حدد منهج التفاوض والأطراف المفاوضة وقفل الباب أمام إقحام الجبهة الثورية.
> ماذا مجدداً عن لقاءات مجلس السلم مع مجموعات «نداء السودان»؟
< فيما يلي هذا الاجتماع، مجلس السلم لا يفترض أن يلتقي «نداء السودان»، لأنه يتعامل مع الدول وليس الحركات..
> هذه النقطة أثارت حفيظة الحكومة السودانية بشكل كبير؟ إلى أي مدى يمكن أن تؤثر في العلاقة بين الخرطوم والمجلس؟ تعارض الخطوة إلى أي مدى يمكن أن يعتبر خرقاً للوائح؟
< استغربت ان يلتقي مجلس السلم مجموعات «نداء السودان»، لأن مجلس السلم فوض اللجنة رفيعة المستوى بقيادة أمبيكي. وهي اللجنة المعنية بإدارة الملف الآن في السودان. وبالتالي هي لجنة منبثقة من مجلس السلم والأمن، وبالتالي لا يمكن لمجلس السلم الذي يتعامل مع الدول أن يتعامل مع مكون سياسي معارض يحمل السلاح ضد الدولة.
> إلى ماذا يمكن أن نعزو ما حدث. إلى قلة التجربة مثلاً؟
< نعم، في تقديري قلة التجربة، ربما أرادوا جمع كل الآراء المختلفة، ولكن أنت عندما تفوض.. حتى في السياق العام مجلس السلم، فوض اللجنة رفيعة المستوى وهي مسؤولة عن السلام في السودان فلا يمكن أن تفوض أشخاصاً ثم تأتي لتمارس مهامهم واختصاصهم. أمبيكي موجود، أبوبكر عبد السلام موجود، الإيقاد موجودة، الأمم المتحدة موجودة، هؤلاء يكونون اللجنة رفيعة المستوى.
> في تقديركم، هل يوجد فاعل أو مكون أجنبي ساعد في أن يتم هذا اللقاء؟
< في تقديري هذا صحيح، سفراء بعض الدول الغربية حاولوا أن يؤثروا على مجلس السلم، لذلك رتبوا هذا اللقاء الذي جمعهم «بنداء السودان»، في تقديري مثلما استمع مجلس السلم إلى وجهة نظر حكومة السودان عليه ان يستمع إلى وجهة نظر المعارضة، لكن الطريق التي تم بها اللقاء غير موفقة.
> هل تم أي تحرك دبلوماسي لمناهضة الخطوة من قبل حكومة السودان؟
< نعم، هناك تحرك دبلوماسي جاء في إطارات، الأول أن ينبه مجلس السلم والأمن الى أنه فوض لجنة رفيعة المستوى، وهي الجهة المعنية بالملف. بعض الأصوات نادت أن على أمبيكي ان يتدخل ويحسم الامر. وهناك مسار ثالث، وأتوقع ان يأتي التزام مبطن من مجلس السلم نفسه.
> فيما يخص الوسيط أمبيكي، في تقديركم، هل هو مقبول لكل الأطراف؟خاصة وأن هناك من يتحدث عن عجزه في إحداث أي اختراق بخصوص ملفاته على الطاولة؟
< صحيح أن الحديث العام هو أن أمبيكي لم يحدث اي اختراق في ملفاته، لكن ذلك ليس طعناً في مقدرات الرجل، في تقديري ان الأمر يتعلق بتعقيدات الملفات نفسها. ملف التفاوض مع قطاع الشمال به تعقيدات كبيرة، وعلينا ان نضع في الحسبان علاقة القطاع بالحركة الشعبية في دولة الجنوب، سلفا كير يعتقد أن الخرطوم تدعم مشار لذلك هو يدعم قطاع الشمال، وهذا يعطي الملف بعداً إقليمياً. وبعض الدول الكبرى تتدخل ايضاً في الملف، نحن أمام حرب بالوكالة.
> ماذا عن دور يوغندا في الملف؟
< يوغندا فتحت مكاتب واستضافت الحركات المسلحة، والآن لها قوة عسكرية في دولة الجنوب وترفض الخروج.
> هل تتحرك يوغندا وفق أجندة أجنبية أم أطماع شخصية؟
< موسفيني له أطماع. أنا زرت يوغندا مرتين أيام المقاطعة مع الخرطوم خلال عامي 1996 و1997 والتقيت حكومة موسفيني، هناك اعتقاد سائد لديهم هو أن جزءاً من الجنوب وتحديدًا غرب الإستوائية امتداد طبيعي ليوغندا، إضافة إلى مشكلة جيش الرب. واقتصادياً الآن الجنوب هو سوق كبير للمنتجات اليوغندية.
> سياسياً، هل يدخل ضمن أطماع موسفيني في إقامة إمبراطورية التوتسي التي يريد تأسيسها؟
< نعم، هذا صحيح، وموسفيني يريد جنوباً ضعيفاً.
> في رأيكم، هل تقدم الحكومة تنازلات في السلطة حال استئناف المفاوضات مع قطاع الشمال. وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تقارب بخصوص الملف؟
< يا أستاذة في التفاوض دائمًا هنالك سقوف عالية.
> بالنسبة لقطاع الشمال؟
< عندما جلسنا معهم في البداية قالوا لن يناقشوا إلا القضايا القومية، وجاءوا بمن يمثل شرق السودان وطالب بمطالبات معروفة، وجاءوا بمن يمثل دارفور وقالوا لن نعترف بالدوحة ويريدون أن تفتح الدوحة مرة أخرى ويضعوا مطالب جديدة، ثم جاءوا بمن يمثل أقصى الشمال وقالوا نحن النوبة لدينا قضايا تتعلق بالثقافة النوبية وقيام دولة النوبة في الشمال…. إلا أن حنكة قيادة التفاوض في ذلك الوقت فوتت عليهم هذه الفرص. وفي الجولة اللاحقة ذهب كل هؤلاء وجاءوا بوفد محصور على النيل الأزرق وجنوب كردفان وتحدثوا في قضايا تخص المنطقتين.
> مقاطعة……..؟
< لذلك حديثك عن السقوفات.. عندما جاءوا أيضاً وجلسوا ثانية رفعوا السقوفات.. وطالبوا بحكم ذاتي. الحكم الذاتي نفسه مستويات مختلفة وهنالك اتفاق نيفاشا والمشورة الشعبية الخاص بالمنطقتين.. هم دائماً يرفعون المطالب.
>……….؟
< أنا أقول كثيراً أن الحركة الشعبية قطاع الشمال الآن هي ليست الحركة الشعبية في السابق، وهنالك حقيقة يجب ان تخرج للإعلام وهو أنه لم يكن هنالك ود بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور.
> نعم، هناك…. مشكلات؟
< ليست مشكلات بالمعنى، لكن نستطيع ان نقول بدأ الفراق بينهم. وهنالك شيء آخر، وهو تدخل بعض اللاعبين الجدد، تحديدًا ألمانيا التي عقدت العديد من الجلسات وطرحت خلالها موضوعات كانت موضوعية . وافتكر ان دخول ألمانيا حلبة قضية الأمن والسلام في السودان له إيجابيات كبيرة جداً.
> ليس تدويلاً؟
< لا ليس مع التدويل، لكن أقلها ان ألمانيا تفهم لغة اللاعبين الآخرين في مسرح السلام، لذلك أقول ان كل تلك السقوفات العالية سوف تتلاشى. ويضاف إلى ذلك ان هنالك الآن ململة في أوساط حملة السلاح في المنطقتين، وهذه أصبحت ظاهرة جدًا والدليل على ذلك تدفقات العائدين من تلك المناطق وتسليم سلاحهم وانضمامهم إلى ركب السلام، بالاضافة إلى الضغوطات التي تمارسها هذه القاعدة على قيادتها. كل ذلك من ظاهر الململة.
> هنالك من يرى أن طرفي التفاوض يمارسان عملية شراء الوقت؟
< نعم صحيح، الحركة قطاع الشمال كانت تمارس شراء الوقت لسببين، الأول تريد مزيداً من التدخل الدولي في هذا الملف لأنهم كانوا يعتقدون أن أقل ما يخرجون به هو بعثة أمم متحدة عسكرية جديدة في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان على قرار (JMC) رغم أنها لم تكن بعثة أمم متحدة. وثانياً كانوا يراهنون على خلافات تقع داخل المؤتمر الوطني والحكومة في الخرطوم.. كانوا في الحقيقة يراهنون على المعارضة الداخلية وانتفاضة وربيع عربي.. و.
> هل تمارس الحكومة الآن شراء الوقت؟
< الحكومة أحرص في الوصول إلى اتفاق، كررت إعلان وقف إطلاق النار أكثر من مرة، ودعت إلى ترتيبات فنية على الأرض يجعل وقف إطلاق النار أمرًا ملموساً، بالمقابل لم تجب الحركة الشعبية على ذلك. هذا الإعلان مضى عليه الآن أكثر من أسبوعين، ولم نسمع استجابة من قطاع الشمال.
> هل يماطل قطاع الشمال ويشتري الوقت الآن؟
< نعم وكل ما طال الزمن كل ما أدخلت الحركة الشعبية أجندة جديدة.
> مسألة شراء الوقت ليس في صالح الملف على أرض الواقع تحديداً؟
< نعم، والحكومة اختارت السلام خطاً إستراتيجياً، صحيح إنها تلوح….
> إلى أي مدى يمكن أن تقدم الخرطوم تنازلات في هذا الملف؟
< الحكومة هي الأب، لذلك دائماً نجد أن الأب هو الذي يقدم تنازلات أكثر، وأنا أتوقع حال كان الحديث عن تنازلات في السلطة لن تمانع الحكومة في ذلك بالاضافة إلى إعطاء بعض الخصوصية للمنطقتين.
> متى تتوقعون انطلاقة الجولة القادمة؟
< خلال سبتمبر الجاري، ويمكن في هذه الجولة الاستفادة من الجولات السابقة إضافة إلى التغييرات الحالية في الساحة.