مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : دَيْن الإنسانية على المجر


لم تتحرّك المجر إزاء استياء الرأي العام العالمي من معاملتها الوحشية للاجئين السوريين العابرين لأراضيها، إلّا بعد أن وجه المستشار النمساوي فيرنر فايمان انتقاداً مباشراً لتعاملها مع اللاجئين، وشبّه سياساتها بعمليات ترحيل اليهود التي نفذتها ألمانيا النازية.

ولعل هذا الوصف لهذه الدولة المتقوقعة في وسط شرق أوروبا هو الوحيد الذي أخرج وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو عن صمته ليدعّي بأنّ هذه الانتقادات محض تلفيق، مكذّباً تصوير شبكات التلفزة والنقل لكل ما جرى للاجئين السوريين على الأراضي المجرية. ومن هذه الأحداث الكثيرة هناك ما أبرزته وسائل الإعلام واستهجنه العالم مثل حادثة الصحفية الهنغارية بيترا لازلو التي عمّت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. رأى العالم كيف تركل الصحفية اللاجئين وهي تحمل كاميرتها أثناء تغطية فرارهم من الشرطة المجرية، وواصلت إلى ركل وعرقلة لاجيء يحمل طفله اتضح فيما بعد أنّه كابتن سابق لأحد أندية كرة القدم بسوريا.

هذه الأحداث استنفرت الإدانة من المجتمع الدولي والإعلامي والحقوقي على مستوى العالم ولكن المجر لم تتنازل عن تعنتها وسط الإدانات في تعاملها مع آلاف اللاجئين المنتظرين في محطة قطارات عاصمتها بودابست، حتى إنّ الجهات الرسمية المجرية منعت موظفي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من تقديم الماء والطعام لهم عند هذه المحطات بحجة أنّها ستزيد من أعدادهم.

ثم هناك مركز الاحتجاز الذي أظهره تسجيل مصوّر وفيه يُلقي أفراد الشرطة المجرية وهم يضعون أقنعة صحية، عبوات من الشطائر للاجئين من خلف سياج وصفته المتطوعة النمساوية التي صوّرت الفيديو سرّاً وكأنه إطعام لحيوانات في قفص أو غوانتانامو أوروبا، مما يُبرز سوء المعاملة في أكبر مخيم للاجئين في المجر.

بعد كل هذا يتعامى وزير الخارجية المجري عن الحقائق التي أوصلت اللاجئين إلى بلاده ويقول إنّهم لم يخرجوا من نيران الحرب في سوريا وإنّما أتوا من مخيمات اللجوء القريبة من بلدهم، وكأنّه يقلب الحقيقة على وجهها الآخر ليداري ما وصلت إليه سياسة بلده النشاز من كل التعاطف الذي وجده هؤلاء في ألمانيا والنمسا وغيرها.

بالرغم من أنّ السبب الذي أعلنته الحكومة اليمينية المجرية الذي يقف متشدّداً إزاء تدفق المهاجرين على حدودها في طريقهم إلى غرب أوروبا، بحجة اعتبارهم مهددين للرخاء الأوروبي و”القيم المسيحية”؛ إلّا هناك عدة مؤشرات تكتنف العلاقات المجرية مع الدول التي تنضوي معها تحت لواء الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عُقد أخرى تكتنف الداخل المجري وقبوله للآخر.

بالرجوع إلى تاريخ دولة المجر مع جيرانها، والتي لديها عضوية في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فإنّه يُلاحظ احتفاظها بمرارات من الماضي القريب يبين حجم هذه العدوانية في تعاملها مع اللاجئين، وهي وإن لم تقصد السوريين كشعب وإنّما تحاول الانتقام أو الرد على الدول القريبة التي اتخذت موقفاً مغايراً لموقفها من اللاجئين.

كانت المجر من القوى العظمى في العالم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد تمت معاقبتها ضمن معاهدة تريانون على دروها في الحرب العالمية الأولى فانتزعت بعض أراضيها. شاركت المجر خلال الحرب العالمية الثانية في غزو يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي عام 1941م، واستفادت من علاقتها مع ألمانيا النازية وإيطاليا في التغوّل على أراضي سلوفاكيا ورومانيا ويوغسلافيا. وبعد غزوها الاتحاد السوفييتي دخلت المجر في مفاوضات سرية للسلام مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فاعتبر هتلر هذه المفاوضات خيانة فقامت القوات الألمانية بمهاجمة المجر عام 1944م واحتلتها. انتقلت المجر بعد الحرب إلى الحقبة الشيوعية. وبعد سقوط الشيوعية عام 1989م تحولت المجر إلى جمهورية ديمقراطية، وقوة اقتصادية عالية.

أما المجر اليوم والتي تُعدُّ المعبر الرئيسي لباقي الدول الأوروبية، فقد قام المفوض السامي لشؤون اللاجئين باللأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتذكيرها بأن تعامل اللاجئين السوريين كما عُوملت إبان الحرب العالمية الثانية، حين تلقت المفوضية مئتي ألف لاجئ مجري، تم توطين 41 ألفاً منهم في بلاد أخرى.