حوارات ولقاءات

أغاني النضال باتت مثل عبارات التباكي والعزاء.. الشاعر رماح عبدالقادر


رماح عبدالقادر من الشعراء الشباب الذين استطاعوا أن يضعوا بصمتهم ضمن منظومة الشعر السوداني، بالرغم من الغياب المتعمد الذي جعله بعيداً عن الإعلام. مما جعلنا نلح على ظهوره في صفحات (اليوم التالي)، ليحدثنا عن مشروعه الأدبي وديوانه الشعري الذي تأخر وصوله للقارئ، بالرغم من طباعته منذ وقت ليس بالقصير، ويرى رماح أن المشهد الأدبي يعاني كثيراً من النفاق والإحباط.
* أسلوبك في الكتابة ومشاربك الفكرية؟
يشدني التجريب وتحميل اللغة ما تستطيع حمله، والموضوعات عندي تنبع من قلق مستمر يلازم روحي المتنازعة، والتفكير الفلسفي في الأشياء يجعلك تبحث عن ماعون أوسع، لكني حتما أبحث عن لغة تجعلني متصالحا مع الآخر المتلقي، لأنه المكمل لأي عمل إبداعي.
عناصر التكوين الأولى؟
مازلت حتى الآن وجبة دسمة لعناصر التكوين، أما لو أخذنا في الاعتبار البدايات، فالعزلة والتأمل والانزواء هي عناصر تكويني ثم الاصطدام بواقع جديد مختلف ومعقد.
الكتابة الأولى غالبا ما تكون تأثرت بآخرين؟
كل أفعالنا الأولى والأخيرة عرضة لهذا التأثر ولا يمكن لأحد أن يكون نفسه منفردا وهي لذة الأنا المنفرده فقد تأثرت بالكثيرين ومازلت أفعل ذلك، العامية عندي هي شعر الوجدان لذا محبتي لأستاذي أزهري محمد علي أثرت في مشروعي ولكن بدراية ومعرفة، وبحكم المشارب المشتركة أجدني متورطا في بعض المفردات أما نهجي المتمرد الآخر في ما يخص التجريب ففي اعتقادي الكتابة هنا تصبح فلسفه ورؤى معقده قليلا فتأثرت حقا بالعديد ولا أظن أن في ذلك مأخذا فالفكرة في نهايتها فكرتي وتصويري وعالمي.
رؤيتك لرمّاح الشاعر والانقطاع بعد تواصل وديمومة المشروع الإبداعي لديك؟
رمّاح الشاعر جاد بأكثر مما يستحق المشهد، وهذا عيب – أما الانقطاع فهو بسبب عدم الرضا عن نفسي وعن آخر ينازعك فعل الجمال اعتقادي بأن الشعر مسؤولية وكل الفعل الإبداعي، يتسبب في كثير مما هو بائن غيابا، ولكن مشروعي مازال يتربص بي، أنا قلق لأجل ذلك والمشهد به الكثير من الإحباط والنفاق واللزوجة.
الطباعة والنشر وتقوقع الأديب السوداني على نفسه والرهان على مستقبل الشباب؟
(لما تجي سيرة الطباعة والنشر بتجي سيرة القروش) الأديب السوداني أو المبدع في عموم الحال (ماعندو قروش ومفلس) ولو سرق أو تنازل عن أي قيمة أخلاقية ليطبع أو ينشر يفقد صفته كأديب – الطباعة كارثة أخرى تواجه المبدعين والباحثين وعدم أحترامنا للكتاب يجعلها تحصيل حاصل وقوقعة الأديب أو المبدع على نفسه هي من قوقعة الوطن على نفسه أما الرهان على مستقل الشباب فهو الرهان على حال البلد لابد من الشعور بأن العمل الإبداعي مسؤولية كاملة – لكي نقفز ببلد به مبدعين للعالمية.
مثلث اللحن والثورة والخط النضالي الذي يقوده بعض الشعراء وإمكانية صنع واقع مغاير؟
لعلك تقصد الأغنيات الثورية، دا موضوع شائك ومعقد والنضال يحتاج لمجتمع مدرك وواعي، الآن أصبحت أغاني النضال كعبارات التباكي والعزاء لا تخدم غرض كما في السابق وهذا لقلة الوعي ولهشاشة مبادئ المثقفين والمبدعين – وهناك مخطط موازٍ لتعمية المجتمع عن حقوقه بالإضافة إلي عدم إحترام المثقف أو المبدع لنفسه وبالإمكان الانصياع ورا كل محفل مما يفقده ثقة الناس.
المنابر وقدرتها على التفريخ والشعر العامي وإمكانية تحليقه خارج المحلية؟
المنابر الجماعية لها القدرة علي أكثر من التفريخ والشعر والشعر في حد ذاته كائن جماعي أصيل ولكن المشكلة في التفريخ هذا، لابد من الانتباه لسلبياته ومحلي وعالمي أصبحت قضية مستوهمة وليست حقيقية ونحن أكثر الناس حديثا عن ذلك الشعر العامي تعيقه الكتابة فقط وشعرية النص هي من يضمن له التحليق عاميا كان أو فصيحا.
مشروعك الشعري؟
الشعر حياة مستمرة إلى ما بعد الموت، وأنا أحاول جاهدا ترك أثر إنساني خلفي ولي وقفه طويلة في مسألة، أن المصداقية حتى في الكره والقبح لها وقعها الحقيقي المؤثر، ومشروعي لا تحده اتجاهات فأيا كان شكله فهو لا يهمني – ولكني أهتم به.
حدد خساراتك؟
على المستوى المادي الموضوعي كثيرة والخسارة الكبرى هي أن تعبر الحياة دون أن تبصر وتدرك الإنسان فيك وآمل ألا أخسر ذلك.
إصدار مجموعة شعرية هو عرض ضمن فلسفة – كيف؟
سؤال كيف نشرت بصعوبة وبتحدي لعدة أسباب وعوائق فقناعتي بأن التوثيق لمراحل حياة الكتابة ضرورة لابد من تخطيها بدفقها بذاكرة الآخر وهو المتلقي أيا كان أثرها ونجاحها أو فشلها لأتمكن من رؤية ما بعدها عبر الآخر نفسه وقد كانت مع الدار المصرية أوراق وهي كتجربة ذات عائد والانتشار لازمها القليل من الفشل والتضحيات وهذا الأمر وقع على الكثيرين لذا أصابع الاتهام تتجه إلى دور نشرنا غير الموفقة.
حالة الشعر في الآونة الأخيرة أو بصراحة رأيك في الشعراء الشباب؟
المبدع بشكل عام مظلوم والشباب والشعراء منهم أكثرا مظلمة وهم للأسف الشديد ساهموا في هذا الظلم وقللوا من مكانتهم لدى المجتمع رغم جودة ما يكتبون وحالة الشعر في الآونة الأخيرة لا تسر فهي استنساخات وهذا لا يعني أن المشهد يخلو من عظماء فقط من يستحق لا يجد منبرا وحتى الذي يجد منبرا لا يجد حرية القول وبصفتي شابا أقول نحن بخير.
لماذا تكتب؟ وما هو تحليقك الأخير؟
لماذا أنا عائش الآن؟ أنا أكتب ما دامت الروح تغالط هذا الجسد وأكتب ما دمت أرى الجمال وأعيشه وأكتب مادمت ألمس القبح بيننا كائنا وسأظل أكتب حتى أجد النص الذي عنه أبحث أما تحليقي الأخير فهو للمشاهدة فالواقع أوسع من الكتابة حرب وموت وظلم ونفاق.

اليوم التالي