الطيب مصطفى

المسجد الأقصى في زمن الهوان !


لم يتعرّض المسجد الأقصى منذ الحريق الذي أصابه على أيدي اليهود عام 1969 إلى محنة وتحدٍّ كالذي يتعرض له هذه الأيام.
تمهيداً لمغامرتها هذه والتي تزامنت مع بدء السنة العبرية الجديدة، قام المستوطنون بدهم الأقصى يوم الأحد الماضي محدثين فيه خراباً ودماراً تبارت وكالات الأنباء والفضائيات في إبرازه، ثم أعقبت ذلك بقرار منح اليهود الحق في ممارسة شعائرهم في باحة المسجد الأقصى في أوقات محددة يُمنع الفلسطينيون خلالها من ذلك الحق، وهو ما عُرف بالتقسيم الزماني والمكاني الذي لم يحدث طوال فترات الصراع الماضية.
بالطبع كان رد الفعل الطبيعي أن ينتفض الفلسطينيون الذين رابط عدد كبير منهم في الأقصى لحمايته من المحتلين، لكن هل تقوى الحجارة على مواجهة الأسلحة الحديثة التي يستخدمها الآلاف من جنود الاحتلال لإنفاذ القرار الجديد الذي استغل التراجع العربي والحروب والتمزق الذي اجتاح البلاد العربية، وأهم من ذلك كله الانقلاب الذي حدث في مصر والذي نزل بردًا وسلامًا على الدولة الصهيونية المتحالفة مع السيسي ضد حماس والمقاومة الفلسطينية؟
أود أن أقول إن أقدار الله سبحانه وتعالى التي تسوقنا نحو المواجهة الحتمية التي أشار إليها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة بين المسلمين واليهود في خاتمة الصراع الحاسم ذلك أن الأساطير اليهودية تتحدث عن أن هيكل سليمان موجود تحت المسجد الأقصى ولا سبيل إلى تحقيق هدفهم بالعثور على الهيكل إلا بنقض بناء المسجد الأقصى، هذا فضلاً عن أن اليهود يقدّسون القدس التي تضم الأقصى.
من جانب آخر فإن الأقصى عند المسلمين جميعاً في شتى أنحاء الكرة الأرضية يحتل مكانة سامية تجعل الدفاع عنه قضية عقدية ينبغي أن ينفروا في سبيل الله جهادًا واستبسالاً للذود، عنها فضلاً عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم، تعظيماً وتقديساً للأقصى، صلى نحوه والمسلمون جميعاً لمدة 16 شهراً قبل أن تُحوّل القبلة إلى المسجد الحرام، وليس أدل على ذلك من مسجد القبلتين في المدينة المنورة والذي تحوّل الصحابة فيه من القبلة الأولى (المسجد الأقصى) إلى المسجد الحرام عندما جاءهم الأمر القرآني بالتحوّل بينما كانوا يؤدون صلاة العصر .
ذات المعنى أكدته واقعة الإسراء والمعراج فقد أُسري بالرسول الخاتم من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به من هناك إلى السماء، ولعل أبلغ دليل على ذلك الربط المُحكم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى أن يُسرى بالرسول إلى الأقصى ثم تنطلق الرحلة الميمونة إلى السماء منه وليس من مكة حيث المسجد الحرام، وكان ذلك متاحاً لولا أقدار الله العزيز الذي أراد بحكمته أن يحدث ذلك الربط المقدس والذي رسّخه أن يؤم الرسول الأنبياء جميعًا في الأقصى إيذاناً بانتهاء سيادة بني إسرائيل من نسل إبراهيم وإسحق وبداية سيادة نسل إسماعيل ممثلة في الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وهيمنة الإسلام على جميع الكتب السماوية والرسالات إلى يوم القيامة.
ذلك ما يجعل الأقصى ثالث ثلاثة بين المناطق الأكثر قدسية لدى المسلمين، فإن كانت أرض فلسطين وطناً جغرافياً لأبناء فلسطين فإنها وطن مقدس دينياً عند المسلمين في شتى بقاع الأرض لا تعدله أوطانهم الجغرافية مكانة عند الله.
أقول هذا تنبيهاً لبعض الغافلين الذين سجنوا أنفسهم في حدود الوطن الجغرافي الذي لم نشترك في صناعة حدوده إنما صنعها من استعمرونا واستعبدونا خدمة لأجندتهم الاستعمارية التي لا أشك لحظة في أنها تتعارض مع مصالحنا الوطنية، وبالقطع لم تهدف إلا إلى إلحاق الأذى بالوحدة الإسلامية الجامعة التي لم تتمزق أيدي سبأ إلا بعد اتفاق بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين (سايكس بيكو)، وهل أكثر تعبيراً عما ألحقه بنا من مزقونا شر ممزّق من خلال دولنا القطرية العاجزة مما فعلوه بفلسطين التي زرعتها بريطانيا في أحشاء الأمة (وعد بلفور 1917)، وفي أحد أقدس مقدساتها التي أعني بها الأقصى، ثم زرع جنوب السودان الذي حشرته بريطانيا في الدولة السودانية ليدخلوها في نفق الحرب التي أهلكت الحرث والنسل على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان؟
أقول هذا لبعض من أفسدت الثقافة الغربية عقولهم وربما شيئاً من عقيدتهم إذ تراهم يغمغمون بمفاهيم مغلوطة استقوها من مرجعيات أخرى غير التي يصلون بها ويصومون فعندما نتحدث عن فلسطين والأقصى باعتبارهما جزءًا من الأمة التي أُمرنا بأن نتفاعل معها كجزء من الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ينتفضون كالملدوغ ليحدثونا عن أن (الفينا مكفينا) وأن هناك مناطق في بلادنا تئن بالأزمات ينبغي أن نقصر كل جهدنا على معالجتها حتى ولو استغرق ذلك منا أعمارنا وأعمار أطفالنا أما إن حدّثناهم عن أن مكة والمدينة والأقصى تحتل عند المسلم مكانة تعلو على عاصمة دولتنا القطرية، (الخرطوم) مثلاً، فإنهم يتميزون غيظاً ويصفون القائل بذلك (الكفر) بالخيانة والعمالة والارتزاق !
قلت قبل زمن في ندوة بقاعة الشارقة إن الدين كمكوّن للهوية يعلو على الوطن بالنظر إلى أن الإنسان لا يُسأل يوم الحساب عن جنسيته أو قبيلته إنما عن دينه، فما كان من شريكي (العلماني) في الندوة إلا أن هاج وماج وأرغى وأزبد وأرعد وأبرق!
أقول لبني علمان إن (إسرائيل) ما قامت إلا على مرجعيتها الدينية التي تأسس عليها اسمها ولا يقوى على مواجهتها إلا المجاهدون الذين يقاتلون في سبيل الله ابتغاء رضوانه وجنته كما قاتل من ضموها إلى دار الإسلام أيام الفاروق عمر ثم صلاح الدين الأيوبي.
بالله عليكم لماذا لم تقدم إسرائيل على فعلتها هذه منذ حريق الأقصى قبل ما يقرب من خمسين عاماً إلا الآن؟.. الجواب أوضح من الشمس.. إنه التمزق والتراجع الذي ضرب الأمة والذي أحال مصر السيسي حديثاً ومصر صلاح الدين قديماً إلى حليف لإسرائيل وعدو للمقاومة الفلسطينية بعد أن كانت أيام مرسي شوكة في حلق إسرائيل.
نعوّل على الملك سلمان أن يستنقذ مصر من براثن إسرائيل حتى تستقيم الأمور ونعوّل على حماس والجهاد وقبل ذلك نسأل العون من رب العالمين أن ينصر المرابطين المجاهدين على بني إسرائيل.