الصادق الرزيقي

الخطر القادم من الشرق!!


> قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، «البديل لنظام الأسد السيء في سوريا هو الأسوأ منه». وقال ذات المعنى الرئيس الفرنسي، بينما كان الرئيس الروسي بوتين يعلن صراحة أمام كل العالم، أن النظام السوري هو البيدق الذي يجب الحفاظ عليه حتى نحارب الإرهاب وداعش..
> يقف العالم في ضفة وجبهة واحدة مع الأسد في سوريا، بعد تحولات دراماتيكية في المواقف عقدت الحسابات العربية، وشوهد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أمس في ردهات مقر الأمم المتحدة يتعثر في مشيته المضطربة وكاد أن يقع على وجهه، وهو أبلغ تعبير عن حالة الجامعة العربية وقد تولت من قبل أخطر موقفين بشأن سوريا وليبيا، عندما جمدت عضوية سوريا وليبيا في عهد القذافي، ثم ضاع الرهان على المعارضة السورية الممزقة وخسرت الجامعة ووراءها بعض الأنظمة العربية خياراتها مع تبدل الموقفين الأمريكي والأوروبي من الأسد في سوريا عندما رك الدب الروسي فكيه ومخالبه وأنشبها في المنطقة ووضع رجليه على شواطئ المياه الدافئة، فقد كان برجل واحدة في طرطوس، فهاهو اليوم بكلتا رجليه يخوض في الوحل السوري.
> المشهد، لزج.. معقد.. تجلت فيه الانتهازية الغربية في أبشع صورها، فأوروبا مشغولة باللاجئين، وضميرها الأخلاقي في امتحان، لكنها في ذات الوقت تتوجس خيفة ما بين التغير الديمغرافي القادم بقوة فبعد خمسين سنة على الأقل لن تكون هناك شعوب أوروبية إلا في دفاتر التاريخ، فنسبة كبار السن بلغت في بعض البلدان 70% من حجم السكان، وتناقصت نسبة الشباب، وانهارت مؤسسة الأسرة ولم الزوجية إلا أثراً من الماضي. فالحل الوحيد هو كيفية ملء الفراغ. المهاجرون من الشرق الأوسط يمكنهم ملء الفراغ لكن سيكون فراغاً بثقافة أخرى..
> دبلوماسي أوروبي هنا في الأمم المتحدة علق لزميل له من دولة صغيرة غائرة في طرف قصي في آسيا، «إن المسلمين والعرب والأتراك لم يمكثوا إلا قروناً قليلة حتى عادوا مرة أخرى لاجتياح أوروبا وبطريقة مختلفة. جيش السلطان العثماني محمد الفاتح وقفت سنابك خيله عند مدخل العاصمة النمساوية فيينا، لكنهم الآن اجتاحوا كل أوروبا بلا خيل أو رماح أو سيف.. هؤلاء سيغيرون أوروبا..«!!!
> هذا السبب، يهرع الجميع لانتشال الزمن والتاريخ من التغيرات المقبلة في الشرق الأوسط والقارة العجوز، لا وقت للانتظار.. الأسد الذي حرضوا ضده وحاربوه، أهون إليهم من القادم، إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية قد هجر إلى أوروبا وربما الولايات المتحدة عشرات الآلاف وربما بلغوا مئات الآلاف، قريباً من اللاجئين والمهاجرين، فإن الواقع الجديد سيكون أكثر إثارة في حال امتدت النزاعات ووصلت تأثيراتها وزخات الدماء والأشلاء الحافة الأوروبية..
> روسيا وموقفها مثل مخرجاً أخلاقياً وسياسياً للغرب، فأوباما يؤيد الموقف الروسي واتفق مع بوتين على قتال داعش، ليس لأن داعش تمثل الخطر الماحق، لكن من أجل أن تظن المخادع الأوروبية دافئة والدماء والجينات سليمة لا تختلط بنسبة بيرة بغيرهم من شعوب الشرق بخصوبتها العالية وثقافتها وتقاليدها ودينها الذي دخل عنوة إلى كل شارع ومنتجع وبيت ومطار ومحطة سكك حديدية ومحطات تلفزة في أوروبا والغرب..
> طوق نجاة ألقاه بوتين لا لينقذ الأسد وحده، لكنه يقود حملة الإنقاذ التي تريد انتشال الغرب بكامله من تداعي المهاجرين عليه من حيث لا يحتسب، فالتغيرات في الخطاب السياسي الدولي، تجعل أسد سوريا ينام اليوم ملء جفونه عن شواردها، ليختصم غرماءه وأعداءه وخصومه السياسيين كما يشاءون، ما دام في كفيه سيفيوتين ورمح أوباما.. فالبديل الذي عناه أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة، ليس بديل الأسد فقط، لكنه البديل الذي يتراقص في الأفق الأوروبي، للشعوب المتناقص عددها والديمغرافيا المتآكلة كقشرة طلاء قديم.
> السياسة الدولية تصنعها مشاعر الخوف مثلما ترسمها المصالح والخشية من المستقبل، العالم الغربي يرتجف من المجهول، كل خطابات القادة الأوروبيين مهتاجة ومرتعبة ومرتعشة من اللجوء والهجرة غير الشرعية والأبواب التي فتحتها عنوة.. صراخ الأطفال وجثث الغرقى ووشاحات النساء وأغطية رؤسهن القادمة من الشرق..