جمال علي حسن

الخرطوم “فاضية” والمكاتب خالية


تقريباً.. كانت آخر خنادق ضبط الخدمة المدنية قد سقطت في يد جيوش الفوضى الإدارية الشاملة بعد مغادرة الأستاذ كمال عبد اللطيف لوزارة مجلس الوزراء.. بعدها انتهت الحكاية.. حكاية تنفيذ لوائح الانضباط الإداري للموظفين العاملين بدواوين ومؤسسات ومصالح الدولة.
وكمال نفسه كان يقوم بمجهود فردي لإنقاذ جسد خدمة مدنية أعياه الإهمال، وكانت تلك المحاولات تبدو غريبة ولا تحظى حتى بدعم حقيقي وحماية من صناع القرار والدليل على ذلك أنها انتهت بنهاية فترة توليه لهذا الملف داخل مجلس الوزراء.
الخرطوم هذه الأيام (فاضية)، ومكاتب الموظفين خالية تنتظر الموعد الذي يحددونه (بمزاجهم) وبأنفسهم كنهاية لعطلة عيد الأضحى المبارك والذي غالباً ما سيكون يوم الأحد القادم، هذا لو لم تظهر لهم مستجدات أو ظروف أو مناسبات جديدة تؤجل العودة للخرطوم.. والعودة للمكاتب، سيعودون يوم الأحد لو لم تكن هناك (طهورة) أو سماية أو مناسبة زواج أو جرتق.. وبالمناسبة فإن حفلات الجرتق في سودان 2015 لم تعد مناسبات حصرية على الأقارب جداً من الأهل ونساء الجيران (القراب) بل أصبحت حفلات مفتوحة يحضرها الرجال والنساء ويمكن أن تكون بعضها من أسباب تأخير عودة موظفين وموظفات من عطلة العيد .
عدد من الذين تواصلت معهم عقب عطلة العيد من الموظفين لم يعودوا الى مكاتبهم بعضهم يقول لك (ما في حاجة تخليني أنزل قبل الأحد) والبعض يقول لك (شغل حكومة، بنجيهم قدر قروشم) وآخرون (ما لاقين مواصلات) وجماعة (هو وينو الشغل) ..!
لو أن نصف الموظفين الزاهدين في العمل في دواوين الدولة أو المستهترين بالضوابط الإدارية والمتسيبين تم فصلهم وتوفير رواتبهم للنصف الآخر من الموظفين الجادين والمنضبطين والمخلصين في عملهم لتحققت فائدتان الأولى هي تحسين رواتب الموظفين الآخرين لتصل الى مستوى معقول يكافئ نسبة مقدرة من احتياجات المعيشة .
أما الفائدة الثانية فستكون رفع كفاءة الأداء في الخدمة المدنية.
فما ينجزه موظف مستقر وصاحب ضمير يساوي إنجاز عشرة موظفين من النوع الذي لا يزال ينتظر حضور (طهورة) ابن جاره حيث قضى العيد قبل أن يحزم متاعه ويعود متكاسلا خاملاً ساخطاً إلى مكتبه، ولا يؤدي أي شيء .
العقد شريعة المتعاقدين، وما بين المخدم – قطاع عام أو خاص – والموظف، التزام متبادل بأن يؤدي الموظف عملاً محدداً في وقت محدد مقابل أجر معروف بالنسبة له وبالتالي فإنه لا يحق لمن يقبل بهذا الراتب مبدءاً وغض النظر عن حجمه لكن لا يحق له أن يتعمد الغياب أو التقصير أو التأخير وعدم أداء عمله بحجة أن الراتب ضعيف، ولا يكفي ..
وليس من حق الحكومة أن تغض الطرف عن هذه الفوضى التي تعم دواوين الدولة.. ليس من حقها والراتب الضعيف الذي يتلقاه موظف نائم في بيته أحق به مواطن آخر عاطل عن العمل وما أكثرهم! .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.