الهندي عز الدين

قرارات وزير العدل .. لمن لم يقرأوا النصوص !!


يبدو أن أكثر الذين هللوا وكبروا ثم صفقوا في المجالس وعلى صفحات الصحف لقرار وزير العدل الجديد مولانا الدكتور”عوض الحسن النور”الخاص بتجاوزات بعض أفراد مكتب والي الخرطوم السابق لم يطلعوا على نص القرار!!
فقد أصابني العجب وأنا أتابع سيل (الوادي المنحدر) في مقالات وأعمدة وتقارير صحف اليومين الفائتين، وكلها تمجد في (مولانا) الوزير الجديد، وهو أهل لذلك، بل إن البعض توقع إقالته لأنه سيصطدم بقيادات تنفيذية متنفذة إذا واصل نبش ملفات (الفساد) !!
وأنا أتمنى أن يصطدم السيد الوزير بنافذين ومتنفذين وأن يدهسهم بقطار العدالة الذي لا يعرف العودة للوراء، غير مبالٍ ولا هياب .
ولكن ما لا يعرفه الذين خرجوا في (مظاهرات التأييد للقرار) في جرايدنا أن مولانا الوزير عاد للمحطة الأولى التي تجاوزها الوزير السابق مولانا “محمد بشارة دوسة” سريعاً .. محطة (التحلل) !!
فالقرار رقم (36) لعام 2015 الذي أصدره مولانا “عوض الحسن” في ما يتعلق بموضوع البلاغ رقم (19) لعام 2014، والمتهم فيه (ع) وآخرون من مكتب الوالي (بالمناسبة المرحوم الملازم “غسان” لم يكن المتهم الأول في القضية)، يقرر إعادة أوراق البلاغ وشطب الدعوى الجنائية التي شرع في تحريكها وزير العدل السابق الذي لم يكتف بـ(التحلل) من المال المسلوب دون وجه حق، عقوبة وإبراء للذمة، فوجه بفتح البلاغ رقم (19) لسنة 2014 .
لكن وزير العدل الجديد يقرر بعد حيثيات مطولة أن (التحلل) يكفي كعقوبة للمتهمين بموجب قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989، ولا يجوز من بعد ذلك معاقبة المتهمين مرتين بتدوين بلاغ جنائي !!
لكن (المتحللين) في بلاغ مكتب الوالي – يا مولانا الوزير – ليسوا تجاراً في السوق العربي أو موظفين في شركة قطاع خاص، فظهرت عليهم علامات الثراء (الفاحش) و(المشبوه)، فوافقوا على التحلل من مال غير معلوم المصادر، قد يكون من عائدات الاتجار في المخدرات، أو السلاح المهرب، أو غسيل الأموال .. مثلاً .
ولكن هؤلاء (المتحللين) موظفون في الدولة بمواقع نفوذ، وقد استغلوا أختام وأوراق وعلاقات الدولة في التربح من خلال صفقات في أراضٍ ملك للدولة بأعداد كبيرة (لا قطعة ولا قطعتين). وقد رأى مولانا “دوسة” بعد مراجعة قرار لجنة التحقيق المفوضة منه، أن هناك ما يستدعي تدوين بلاغات جنائية بتهم خيانة الأمانة والتزوير ومواد أخرى، وذلك بعد أن تحلل المتهمون بسداد مبلغ (17) مليار جنيه جزء منه نقداً، وآخر ممتلكات عبارة عن قطع وعربات وغيرها .
بالتأكيد لمولانا “عوض النور” رؤيته القانونية وهو عالم وخبير، ولكن بصراحة حيثيات قراره لم تكن مقنعة لي كمتابع ومراقب للقضية وسبق أن ناقشت فيها علماء وخبراء قانون لهم شأنهم، فاستقر رأينا على أن التحلل لا يكفي لمن استغل سلطة الدولة واستخدم أدواتها وخان أماناتها، ولا شك عندي أن آخرين كثر سيعودون لنص قرار الوزير الأخير ويمعنون النظر فيه لاحقاً .
أما في ما يخص الجزء الثاني من القرار والخاص باسترداد قيمة التخفيض في الأراضي التي منحها وخصصها والي الخرطوم السابق، فهو أيضاً غير مقنع، فالسيد الوزير يقول في قراره إن قانون التخطيط العمراني لسنة 1994 لم يمنح الوالي ولا وزير التخطيط بالولاية سلطة تخفيض الرسوم . حسناً فهل حدد القانون قيمة الرسم في معاملات الأراضي المختلفة، أم أنها سلطة الوالي والوزير؟! معلوم أن رسوم الأراضي متغيرة (إلى أعلى) من عام لآخر، فهل يمكن أن يرد بقانون صدر عام 1994 تحديداً لرسم مالي يدفع في العام 2015 ؟!
طبعاً لا .. إذن مسألة التخفيض تقديرية وخاصة بالوالي أو الوزير، ويمكن توجيه الاتهام فيها للوالي أو أي وزير بالفساد الإداري وتبديد المال العام إذا كانت مستمرة وبمبالغ كبيرة. ولكن فرض إعادة سداد الرسوم بقيمتها الكاملة بأثر رجعي لكل من نال تخفيضاً في قطعة أرض، ودون مساءلة قانونية لصاحب قرار التخفيض إذا كان حقاً لا يجوز له التخفيض، يبدو أقرب للقرارات (الثورية) التي تصدر من (مجالس قيادة الثورة) بعد نجاح انقلاب عسكري، أكثر منه قرار يتخذ صبغة وطبيعة (قانونية) بحتة . والوضع إذ ذاك، فيحق لنا أن نتساءل: هل ستشمل مراجعات قرارات الولاة بتخفيض الرسوم وتقسيطها (بالمناسبة توجد أقساط طويلة ومستمرة) .. هل ستشمل قرارات التخفيض التي يمكن أن يكون قد أصدرها الوالي المرحوم اللواء “محمد عثمان محمد سعيد” أو الوالي المرحوم الدكتور “مجذوب الخليفة” .. مثلاً .. أم أن المسألة محدودة وخاصة بفترة الوالي الدكتور “عبد الرحمن الخضر” فحسب ؟!
{يلا صفقوا للتحلل .


تعليق واحد

  1. قرار وزير العدل الجديد بمراجعةرسوم تخفيض الأراضي أمر غير محدد ولا مفهوما !! هل المقصود به رسوم تسجيل الأراضي في القرار الذي يصدره رئيس القضاء بتخفيض رسوم التسجيل والذي يصدر من وقت لآخر حسب الحالة , تحفيزا للناس حتى يعملوا على تسجيل أراضيهم بأسمائهم , وهو قرار صدر عدة مرات ويتمدد خلال السنوات الفائتة وبموجبه جرت آلاف عمليات التسجيل في طول البلاد وعرضها وبالتالي فهو قرار لا تصح مراجعته لأنه قرار قضائي من جهة مختصة لأن تسجيلات الأراضي طبعا تتبع للهيئة القضائية !! أم أن المقصود بقرار وزير العدل هو إلغاء قرارات خاصة صدرت في مصلحة أشخاص معينين خفضت لهم رسوم قيمة الأراضي الحكومية لكونهم موظفين تحفيزا لهم أو لكونهم مسنودين نالوا هذا التخفيض بطريقة ملتوية ؟ وبالتالي يقوم وزير العدل بمراجعة هذه الإجراءات بأثر رجعي !! فإذا كانت تلك القرارات صدرت بطريقة قانونية وبناء على نص , حتى لو كان نص التحلل , فإن وزير العدل يمكنه إلغاء ذلك النص أو القرار بنص آخر ولكن القرار الجديد لا يسري بأثر رجعي على الحالات السابقة لأن النصوص القانونية لا تسري على الحالات السابقة لصدورها إلا إذا كان ذلك في مصلحة من يخضع لهذا النص أو ذاك , وإذا كان السيد وزير العدل يرى أن نظام التحلل هو أمر شاذ ( وهو كذلك ) فينبغي عليه الرجوع في ذلك إلى مجلس البرلمان لكي يلغي هذا القانون أو يعدل صيغه بحيث لا يترك من استعمل وسائل غير مشروعة أو زور أو استعمل أختاما عامة أو استغل نفوذه أو تناول رشا , لا يفلت من العقوبة حتى لو تحلل لأن التحلل بهذه الطريقة غير المنضبطة يجعل الموظف أو غيره ينتهز الفرصة عامدا ويتكسب بطريقة ملتوية بنية أن يلجأ إلى التحلل إذا ما كشف أمره , وفي العام الفائت جرت عدة نقاشات لوقائع من هذا القبيل من مثل قضية شركة الأقطان وما كان فيها من شأن التحكيم وما تناولته كذلك وسائل الإعلام بشأن أراضي وكيل وزارة العدل وهاتان القضيتان لا نعرف ما آلتا إليه بعد إثارتهما في الصحف ثم جرى الصمت بشأنهما على الأقل في الصحف , فهل يقصد مولانا وزير العدل بقراره مثل هاتين القضيتين ؟