استشارات و فتاوي

عبد الحي يوسف: فتنة زماننا تحركها أجهزة مخابرات ويعمل فيها رجال ونساء


فتنة التحذير من الدعاة وتصنيف الناس!!

فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم

السؤال:

دكتور وأستاذ عقيدة في إحدى الجامعات ومشرف على قناة إسلامية؛ يتناول في أكثر برامجه التي يقدمها في قناته إن لم يكن كلها الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين بالسب والشتم ووصفهم بأنهم خوارج العصر؛ يصفهم في مصر بأنهم يسعون لتدمير الدين الإسلامي هناك؛ ويقول عن مؤسس الحركة حسن البنا بأنه كان صوفياً؛ وسيد قطب كان تكفيرياً ويصفهم جميعاً بأنهم تكفيريون ويدعو عليهم ويحمد الله على أن الله خلصهم من شرهم؛ ويتناول الجماعة في السعودية ويقول إنهم يسعون لتغيير عقيدة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب ليفسحوا المجال لمذهبهم أن يسود ويذكرهم بالأسماء كبار المشايخ الذين شهد لهم بالعلم والتقي والباع الطويل في مجال الدعوة داخل السعودية وخارجها، ويتكلم عن السلفية والسلفيين في مصر ويصف بعضهم بالمبتدعة ويسميهم بأسمائهم، ومن سلم منهم منه يعتب عليه ويلومه علي أنه إما مؤيد للديمقراطية أو خرج وشارك في المظاهرات ضد النظام السابق أو لم يقل كلمة الحق عن الانقلاب الذي حصل أخيراً وهو (أي هذا الدكتور يؤيد الانقلاب)
يؤيد هذا الشيخ ويؤازره في دعوته تلك شيخ سوداني مدير معهد بأم درمان ويقول عنه – ويصفه بشيخ التوحيد في السودان ويعرض له محاضرات علي شاشة قناته تلك بحيث يتناول هذا الشيخ جماعة انصار السنة بالهجوم الكاسح والألفاظ المسيئة، ويقول عنهم إنهم ليسوا على العقيدة الصحيحة وأنهم مبتدعة ويتكلم بعبارات وألفاظ يتنزه عنها إنسان عادي فضلاً عن أن يكون من أهل العلم، مع إبراز عضلات وفتوة حيث حباه الله بسطة في الجسم, ويصف بعض المشايخ من أهل العلم والفضل والمشهود لهم بذلك بأنهم سرورية ويذكرهم بالاسم الدكتور فلان وفلان ….إلخ.
وسؤالي جزاكم الله خيراً بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل هذا من أخلاق أهل العلم؟ وما هي السرورية التي تحدث عنها هذا الشيخ ووصف بها هؤلاء المشايخ الفضلاء؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فيا أخي الكريم: شكر الله لك غيرتك على عرض إخوانك من أهل العلم والدعوة، وشكر الله لك غضبتك على ما يشوِّه جمال هذا الدين وما يكون سبباً في العداوة بين المؤمنين، “والمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده”، وإني قائل لك: “احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز”، واعلم بأن العمر قصير والعمل المطلوب منك كثير، والعاقل من صرف وقته فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، والأحمق من ضيَّع زمانه في تتبع ما قال فلان وما قال فلان ممن لا يُرجَى نفعُهم ولا يؤمَن شرُّهم، وما زال أهل العلم يحذرون من قيلَ وقال؛ “وبئس مطية القوم زعموا”، “وكفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع”. وأنصحك ـ أخي في الله ـ بأن تدعو ربك جل جلالـه بما كانوا يدعو به النبي الأكرم صلى الله عليه وسـلم “اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة،، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم” وأكثر من الدعاء الشريف “يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك” {اللهم اجعلني لك ذكاراً، لك شكاراً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيبا، اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري”

وأما ما يحصل من أذية لأهل العلم والفضل فليس بجديد؛ فإن الله تعالى قد قال في ساداتهم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} وقال سبحانه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} فإذا كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهم سادة الناس وخيرهم وأتقاهم وأبرُّهم وأخشاهم لله ما سلموا من الناس فما ظنك بمن دونهم؟! ويكفيك قول ربنا جل جلالـه {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} وكذلك الملائكة عليهم السلام الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} عاداهم شرار الناس حتى أنزل الله تعالى قوله {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} ومن بعدهم أولياء الله الصالحون وعباده المقربون – وعلى رأسهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما – ما زال أوباش البشر يسبونهما ويلعنونهما، وهم بزعمهم يتعبدون لله بذلك {سبحانك هذا بهتان عظيم}. ولنا في هؤلاء أسوة وقدوة وقد قال الله عز وجل {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}

وهذه فتنة زماننا يا أخي تحركها أجهزة مخابرات ويعمل فيها رجال ونساء، بعضهم بعلم وكثير منهم بغير علم، لكنها تُغَذَّى في كل مكان – في المشرق والمغرب – حيث يُفَرَّغ رجال في سمت أهل الدين، يستدلون بالآيات القرآنية، ويقولون من قول خير البرية صلى الله عليه وسـلم، ولا همَّ لهم إلا الحديث عن الدعاة وأهل العلم ممن نفع الله بهم وأجرى على أيديهم الخير الكثير، وبعض هؤلاء المتكلَّم فيهم قد سلخ من عمره ستين أو سبعين سنة يدعو إلى الله ويبشر وينذر؛ وما علم الناس منه إلا الخير وما هو بالمعصوم بل بشر يخطئ ويصيب؛ فيأتي غرٌ من حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ليرميه بكل نقيصة ويلصق به كل عيب ويصوِّر للناس أنه أخطر من اليهود والنصارى‼ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} فيشتغل البعض بالرد على هؤلاء المفترين – وقد لسعته تلك الافتراءات وضاق صدره بهاتيك الترهات – ثم يكون على الرد ردود، وهكذا تتناكر القلوب ويُشغَل الناس ببعضهم، ويفرك الأعداء أيديهم طربا، فترى بعض الشباب ممن هداه الله إلى غشيان المساجد والجلوس في حِلَق العلم، عما قريب ينفر من المساجد وأهلها حين يرى تلك الصراعات ويسمع من الألفاظ ما لم يكن يسمع من رفقائه في مجالس اللهو واللعب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن أجل أن تعلم صحة ما أقول: تأمل في حال هؤلاء المشائين بالنميمة، المتكلمين بالباطل في عباد الله، الملتمسين للبرآء العيب تجدهم صماً بكماً عن الكلام في أهل الإلحاد والعلمنة والضلال، عمياً عن رؤية الجرائم التي يبصرها كل ذي عينين، والتي يقترفها الطغاة الظالمون من جنس ما فعله الانقلابيون في مصر من سفك للدماء وانتهاك للحرمات وتضييق على الدعوة وأهلها وسعي بالفساد في الأرض؛ وقد سلم منهم اليهود والنصارى وأهل الضلال طُراً، لكن ضاق عَطَنُهم عن أن يمسكوا ألسنتهم ويكفوا أذاهم عن الدعاة إلى الله وطلبة العلم، فهم – واللهِ – أجدر بالوصف الذي رموا به مخالفيهم حين قالوا عنهم بأنهم خوارج، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسـلم من صفة الخوارج أنهم “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان” { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}

ولو كان لذلك المدَّعي على الإخوان بالباطل شيء من مروءة لسعى في تنفيس كربتهم والوقوف معهم في محنتهم، فإن لم يفعل فلا أقل من أن يُمسك لسانه عنهم؛ حتى إذا حصل الفرج – بإذن الله – ناقشهم فيما يجد عليهم إن كان باغياً للإنصاف طالباً الوصول إلى الحق، لكن:
وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ … طلب الطعن وحده والنزالا‼
وقد قيل:
وإذا الجبان رأى الأسنة شُرَّعاً … عاف الثباتَ فإن تفرد أقدما‼

وأما التهم التي ساقها ظاناً أنها تنقص من قدر أولئك الأخيار – أعني حسن البنا وسيدا – فليست بشيء إذا ما وضعت في ميزان الاعتدال والإنصاف؛ فإن الشيخ البنا – رحمه الله تعالى – ما تخفَّى ولا دلَّس بل سرد في مذكراته أنه حين كان شاباً يافعاً كان تابعاً لطريقة صوفية تسمى الطريقة الحصافية، والعاقل يسأل: هل الصوفية شر كلها؟ ثم هذه كلمات البنا مدونة وهذه مؤلفاته بلغت الآفاق فأين الخرافة فيها أو الشعوذة؟ إن أهل الإنصاف يعلمون أنها قد حوت خيراً كثيراً وعلماً غزيراً، وقد كانت للرجل رحمه الله مجاهداته واجتهاداته فجزاه الله عن الإسلام وأهله خيراً وبارك في علمه وتلامذته، وكذلك سيد قطب رحمه الله وغفر له مؤلفاته فيها من الحماس للإسلام والعاطفة الجياشة في الدفاع عنه أمام غارات الملاحدة والعلمانيين، ما ينبيء عن قلب مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسـلم، خاصةً في قضايا الحكم بما أنزل الله وبيان محاسن الإسلام والرد على منتقديه من شياطين الإنس دعاة الضلالة، وما هو بالمعصوم، بل هو كغيره من أهل العلم والفضل لا يسلم من الخطأ، لكن خطأه في بحر فضله مغمور، حيث كانت له ـ رحمه الله ـ مواقف وأقوال وكتابات تبيِّض وجهه – إن شاء الله – يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وقد أفضى إلى ما قدم، وليس من الدين ولا من الأدب ولا من الإنصاف أن يتتبع بعض الناس عثراته فيشيعونها في كل مجلس، وينسون حسناته وفضائله فيسترونها ويغمطون الرجل حقه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم {الكبر بطر الحق وغمط الناس} رواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وقد أنصف سيداً – رحمه الله تعالى – من الدعاة الثقات والأئمة الأثبات ما يغني عن قول أولئك المرجفين المجترئين على أعراض الأحياء والميتين. وقد ذكروا أن سيداً رحمه الله من الدعاة الذين ظهر صدقهم في الدعوة ونصرتهم للدين وغيرتهم على محارمه، ونحسبه مات شهيداً في سبيل كلمة الحق والله حسيبه، وإن كانت له أخطاء في بعض كتبه ـ شأن عامة من كتب وألَّف ـ فإنه لا يتابع عليها ولا يُقلَّد فيها ولا يُشنَّع عليه بها، وإنما يُبيَّن الحق من الباطل، والصواب من الخطأ بالحجة والبرهان. مع الانتباه إلى أن مثل هذه الأخطاء مغمورة إلى جانب حسناته العظيمة في بيان معاني كتاب الله عز وجل وتجلية الحق لطالبيه في عصر قلَّ فيه من ينطق بالحق ويدعو إليه.

أما حديث هذا المفتري هو أو غيره عن السرورية فلا أعلم جماعة على وجه الأرض تتسمى بهذا الاسم، بل هذا لقب قد انتحلوه للتنفير من الدعاة الناصحين للأمة المجاهرين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الكاشفين عن أهل الضلال والخبال؛ وقد علمت أجهزة المخابرات التي تجندهم وتستعملهم في تحقيق مآربها أنهم لو قالوا عن أولئك الدعاة بأنهم لصوص أو ملاحدة أو دجاجلة أو أهل فحش لما صدقهم أحد؛ فاخترعوا تلك التهمة وألصقوها بهم تنفيراً لعامة الناس منهم؛ فهم – في حقيقة الأمر – قُطّاع طرق على من يرومون الهداية ويبحثون عن أسبابها حين يشككونهم في جمهور الدعاة إلى الله تعالى بدعوى أن هذا إخواني وذاك تبليغي وفلان سروري وفلان خارجي.. وهكذا في قائمة تطول، وكأنهم بلسان حالهم يقولون: ليس على وجه الأرض ناج سوانا‼ “ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم”. ولو جاز لنا أن نجهر بالسوء من القول لأسميناهم رداً على فحشهم: المخابراتيه أو العملاء أو الجواسيس أو المأجورين أو غير ذلك مما يصور للناس حقيقة أمرهم بعدما ضاقت صدور الطيبين بعظيم أذاهم وافترائهم على المسلمين أحياء وأمواتا؛ حتى ما يكاد يسلم منهم أحد.

ومن عظيم تلبيسهم على الناس تمسُّحهم بالأخيار ممن شهدت لهم الأمة بالاستقامة والفضل من العلماء العاملين، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله تعالى – فكثيراً ما يصورون لمن لا يعلم حقيقتهم أنهم على سَنَن الشيخ سائرون، والشيخ بريء منهم وممن كان على مشربهم، وقد أنكر على أسلافهم الذين أحدثوا تلك البدعة حال حياته، وكاتبهم محذراً إياهم من الوقيعة في الدعاة إلى الله لكنهم ما انتصحوا ولا ألقوا لقوله سمعاً، بل – بلسان حالهم – قالوا {سمعنا وعصينا} وإلا فالشيخ رحمه الله كان من أعف الناس لساناً عن الوقيعة في أعراض الدعاة أو إشاعة قالة السوء عنهم؛ بل كان يلتمس لهم أحسن المخارج ويتأول لهم فيما أخطئوا فيه، ويناصحهم شفاهة وكتابة؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسـلم “الدين النصيحة” وفي الوقت نفسه كان يثني على جهودهم ويرشد الناس إلى الاستفادة منهم، صنيع الطيبين المنصفين، وإلا فالشيخ رحمه الله تعالى كان رئيساً للجنة الدائمة للإفتاء وقد صدر عنها حال رئاسته لها فتاوى ممهورة بتوقيع الشيخ رحمه الله فيها بيان أن جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين من الفرقة الناجية، وذلك في المجلد الثاني صفحة/234ـ 236ـ 237ـ 238

وبعد. فليلعم هؤلاء الطاعنون في حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من أهل الدعوة والجهاد أنهم ـ قصدوا أولم يقصدوا ـ إنما يخدمون هدفاً بعيداً لأعداء الملة، الذين يرومون الطعن في كل من عُهد عنه تأثير في الصحوة المعاصرة التي أقضت مضاجع اليهود والصليبيين والملاحدة، فيعمدون إلى انتقاصهم ورميهم بالتهم الباطلة تنفيراً للناشئة منهم، وإشاعة لقالة السوء عنهم؛ ابتداء بشيخ الإسلام ابن تيمية مروراً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتهاء بالأستاذ سيد قطب رحمهم الله جميعاً.

وقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم أنه قال “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط” رواه أبو داود، فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.

أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا همَّ له إلا الطعن في العلماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسـلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.
وعلى كل مسلم – منتسباً إلى تلك الجماعات أو غير منتسب – أن يعلم أنه لا أحدَ معصومٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسـلم كما قال مالك رحمه الله (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسـلم) ويقول ابن القيم رحمه الله (فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها) ويقول كذلك رحمه الله (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين). ويقول رحمه الله: (من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنها ما لا يعفى عن غيره) وقال الإمام الذهبي ملتمسًا العذر لقتادة في مسألة خالف فيها الصواب: (لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابه، وعُلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه وورعُه واتباعُه، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك).ا.هـــــ

وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} والله الهادي إلى سواء السبيل.