عبد الجليل سليمان

فرحة تاني الطيش


يقولون إن البند العاشر الذي أبقى عليه (السودان) متعلقاً بتقديم الدعم الفني وتطوير القدرات في مجال حقوق الإنسان. لكنهم لم يقولوا إن هذا البند خول للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري ويضع أو يوجه بوضع دراسات ذي صلة جوهرية وبنيوية بأمور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وكل ما يتصل بها، كما وأن يقدم توصياته في أي مسألة من تلك المسائل إلى الجمعية العامة وإلى أعضاء (الأمم المتحدة) وإلى الوكالات المتخصصة ذات الشأن، بجانب تخويله بإصدار توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها، وأن يعد مشروعات اتفاقات لعرضها على الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه، وأن يدعو إلى عقد مؤتمرات دولية لدراسة المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه وفقاً للقواعد التي تضعها الأمم المتحدة.
ليس هذا هو مربط الفرس، فليُصرِّح مسؤول ملف حقوق الإنسان ببعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة في جنيف بما يريد، وليخفي ما يريد، فالمعرفة أضحت على (قفا من يشيل)، ولا أحد يعتمد ما يصرح به المسؤولون على أنه الحقيقة المطلقة، لكن مربط الفرس هو تلك الفرحة العارمة التي عمت أروقة الأجهزة الحكومية ودهاليز وزارة الخارجية وكأن إبقاء بلادنا تحت (البند) أو الفصل العاشر يُغري بتوزيع الحلوى وإراقة دماء القرابين ونصب (خيم الفرح)، وفي واقع الحال تقول الحقائق على الأرض عكس ذلك تماماً، فلا فرق كبير بين الفصلين العاشر (المحتفى به) والرابع (مصدر الخشيِّة والخوف)، فالأول يفضي إلى الثاني، والثاني يفضي إلى ما لا يُحمد عقباه، فماذا في الرابع (المخيف) باختصار شديد: هو يدعو للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليين بما في ذلك نزع السلاح وتنظيم التسليح، وتقدّيم التوصيات إلى مجلس الأمن، والعمل على تنمية التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
بطبيعة الحال، فإنه لولا أن فصول أو بنود كل المعاهدات والقوانين والمواثيق والدساتير واللوائح تُمسك بأيدي بعضها البعض، فلن يُسمى مجموعها (ميثاقاً أو دستوراً أو معاهدة)، وبالتالي، فإن أي محاولة لقراءة الفصل الرابع بعيداً عن العاشر، وهذا بعيداً عن السابع (بتاع الوصاية)، تظل قاصرة وغير جديرة بالاحترام.
ومن هذا المنطلق (كما يقولون)، فإنني استهجن هذه الفرحة الدبلوماسية العارمة التي عمت الخارجية و(انطلت) على وسائل الإعلام فتقاسمتها معها (تلك تقرع الطبول وهذه ترقص)، هذه الفرحة التي بدت لي مثل فرحة (تاني الطيش) كونه ليس (الطيش) تحديداً، لا تليق بنا، وأكثر من ذلك مراوحة (الإنسان) أو (الدولة) مكانها لا تتقدم قيد أنملة إلى الأمام ليس دليل انتصار ولا محل فرحة، وأنما العكس، فما الذي يجعلنا نفرح بـ (إبقائنا) تحت الفصل الرابع، وما الذي يجعل خارجيتنا تصور لنا الأمر، وكأنه انتصار لها.