مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : ما بين غاندي ومحمد علان


تُعيد قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقال الأسير محمد علان، بواسطة النيابة العسكريّة للاحتلال وما يسمّى بمحكمة العدل العليا وذلك بعد مغادرته مستشفى “برزيلاي” بمدينة عسقلان المحتلة، ليُعلن الأسير الإضراب عن الطعام مرّة أخرى احتجاجًا على إعادة اعتقاله إداريًا.

وكان الأسير الفلسطيني محمد علان اعتقل نهاية العام الماضي وسجن ستة شهور، وما أن انتهت المدة حتى جُددت ستة شهور أخرى، ثم قرّر الإضراب عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله الإداري.

قرّر الأسير محمد علان فكّ ‏إضرابه المفتوح عن الطعام، ووافق على تناول الأدوية والأغذية عبر الوريد بعد استمراره 64 يومًا، احتجاجًا على اعتقاله الإداري، عندما علقت المحكمة العليا الإسرائيلية تعليق اعتقاله الإداري. وقد علقت المحكمة الإسرائيلية اعتقاله الإداري تحسبًا لأي رد فعل سياسي، حتى تبيّن للمجتمع الإسرائيلي أنّها لم ترضخ للأسير الفلسطيني. وبالرغم من استبعاد جهات عديدة أي إجراء آخر ضد علان، إلّا أنّه تمّ اعتقاله ثانية.

بدأ الاحتجاج بالإضراب عن الطعام في الهند، وذلك منذ زمان سحيق، إلّا أنّه في التاريخ الحديث نفذه المهاتما غاندي واتبعه بعض المحتجين من شعوب العالم من أجل تحقيق مطالب معينة أو عدم رضا بوضع سياسي ما. لكي يضرب شخص ما عن الطعام لا بد له من اتباع الأسلوب الأمثل وهو أسلوب المهاتما غاندي في احتجاجه ضد بريطانيا من أجل نيل الحرية. وقد قام غاندي بالاحتجاج بهذه الوسيلة نحو 30 مرة في حياته، نجحت في تحقيق الحرية لشعب بلاده.

ولكن ليس بالضرورة أن ما ينجح في الهند منذ أربعينيات القرن الماضي من وسائل احتجاجية أن ينجح في بلاد أخرى وفي زمان آخر. أما عن الهند فما تم نشره في الموسوعة العربية ” ويكيبيديا” جاء فيه أنّ غاندي تحدى القوانين البريطانية التي كانت تحصر حتى استخراج الملح بالسلطات البريطانية فقام بقيادة مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931م أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت معاهدة غاندي – إيروين.

عاد غاندي إلى العصيان عام 1940م. في عام 1943 ولأول مرة قبل غاندي فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة “اتركوا الهند وأنتم أسياد”، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانًا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلاً خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلّا في عام 1944م.

إنّ مذهب غاندي في الحياة جاء كما دوّنه في مذكراته: “عند يأسي، أتذكر أنّ الحق والحب هما اللذان يربحان دائمًا على مدار التاريخ. كان المغتالون والحكام المستبدون يعتقدون أنّهم لا يهزمون ولو حتى في فترة من الفترات، ولكن دائمًا في النهاية يخسرون، فكّر دائمًا”.

“ماذا سيغير الدمار الجنوني من أجل الموتى، والذين بلا مأوى، واليتامى الذين يعملون تحت اسم الحرية والديمقراطية أو بسبب الشمولية”. “سيكون هناك العديد من القضايا من جراء مجازفتي بحياتي، لكن عندما أُقتل، فلن تكون هناك قضية واحدة”.

وعندما صرّح في مقابلة معه عقب الحرب عام 1946م، بوجهة نظره الأكثر تطرفًا: “يجب على اليهود تقديم أنفسهم لسكين الجزار، كما يجب إلقاء أنفسهم من أعلى الصخور إلى البحار”.

لم يكن غاندي يعلم ولكن كان بإمكانه التنبؤ بما يحدث الآن، لأنّ ذلك كان يحدث منذ زمانه، وما زالت إسرائيل تقوم بقتل المدنيين، والتهجير القسري للفلسطينيين وتسيء معاملة الأسرى الفلسطينيين، فالأسير الفلسطيني يواجه نظام احتلال يرى أنّ الإضراب عن الطعام يمسّ بأمن إسرائيل.

وذلك رغم أنّ المعاهدات الدولية، تؤكد أنّ التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام هي نوع من التعذيب لا تجيزه حتى القوانين الإسرائيلية ونقابة أطبائها، إلّا أنّ الاحتلال الإسرائيلي يتذرّع بأمن دولته لتبرير التعذيب.