مقالات متنوعة

د. جاسم المطوع : لا تحزن إن الله معنا.. منهج حياة


لو سألنا القارئ الآن هل مر عليك موقف بالحياة كنت خائفا من نتيجة أمر معين ثم لجأت إلى الله تعالى فشعرت بأن الله معك في كل لحظة، حتى انتهى الموقف على خير؟! لذكر لنا القارئ مواقف كثيرة؛ لأن (لا تحزن إن الله معنا) هي منهج حياة، قالها رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم» وهو بالغار لأبي بكر الصديق «رضي الله عنه» عندما هاجرا من مكة للمدينة، ومكثا بالغار ثلاثة أيام، وقال مثلها موسى عليه السلام عندما كان البحر أمامه والعدو خلفه، فخاف أتباعه من عدم النجاة، وقالوا: (إنا لمدركون)، فرد عليهم موسى «عليه السلام»: (كلا إن معي ربي سيهدين)، وقبلها عندما شعر موسى بالخوف من لقاء فرعون، وطلب أن يكون هارون معه، قال الله لهما: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى). فكيف يعيش الإنسان بمعية الله تعالى ليلا ونهارا ليكون مطمئنا في الحياة حتى ولو كانت الأزمات قريبة منه؟ وكيف ينقل هذه المعاني لأصحابه وأبنائه ليعيشوا ويستشعروا معية الله تعالى؟

فمن يعش مع الله ويجعل الله تعالى هو الأهم في حياته فلا يخاف الناس، ولا يهمه الناس، بقدر ما يهمه رب الناس، وحتى يصل الإنسان لهذا المستوى يحتاح أن تكون ثقته بالله تعالى كبيرة، وأن يكون متواصلا مع الله تعالى من خلال أعمال اليوم والليلة، بدءا من الصباح الباكر بمحافظته على صلاة الصبح وأذكار الصباح، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة ليكون في ذمة الله تعالى، ومرورا بالصلوات والعبادات التي يفعلها ثم يختم يومه بصلاة الوتر وأذكار ما قبل النوم، ويعينه على ذلك لو كان عنده صحبة صالحة تذكره بين فترة وأخرى بأهمية استمرار وتقوية العلاقة بالله، بل وحتى على مستوى الشبكات الاجتماعية، فإنه يتبع بعض الأشخاص الذين يذكرونه بالله تعالى ليزداد إيمانا، وحينها يصل إلى الشعور بأن الله معه في جميع خطواته.

وقد لخص لنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في الحديث القدسي كيفية تقوية العلاقة بالله، لنستشعر معية الله تعالى فقال: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)). فحتى نعيش مع الله تعالى في كل لحظة فإن الله تعالى يدعونا لأن نتقرب إليه في كل أعمالنا وحياتنا، فعند الدخول للامتحان نستعين بالله، وإذا مرضنا نلجأ إلى الله، ولو دخلنا في مشكلة زوجية أو تربوية أو عائلية فإننا ندعو الله أن يوفقنا لحلها، وعندما تزور الأيتام فترى آثار رحمة الله تعالى عليهم، وعندما تتوقف لديك معاملة بالدولة ويقفز شخص لا تعرفه ليساعدك فإنك تستشعر أن في الكون مدبر ومهيمن يسهل لك الأمور، كما أنك سهلت على غيرك فالجزاء من جنس العمل.

فمن يستشعر معية الله تزول عنه كوابيس الوحدة، ومعاناة الغربة، لأنه في كل صلاة يردد ((السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ))، فيأنس بأنه مع عباد الله الصالحين، وهو بمعية الله تعالى يزداد ثباتا على الحق واستمرارا في العطاء، وتكون الرؤية عنده واضحة؛ لأنه يقرأ في كل اليوم بصلاته أكثر من 17 مرة سورة الفاتحة، والفاتحة تفتح للإنسان نافذتي الدنيا والآخرة، فيعرف أين يتجه وإلي أين المصير، فيستعين بالصبر والصلاة حتى يكون الله معه كما قال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»، فمعية الله تعطي للإنسان شعورا بالغنى ولو كان فقيرا، وتعطيه شعورا بالأنس ولو كان وحيدا، فإن فقدت كل شيء ووجدت معية الله فأنت تملك كل شيء، وإن ملكت كل شيء وفقدت معية الله فأنت في الحقيقة لا تملك أي شيء، فإذن لا تحزن إن الله معنا.. منهج حياة.