عبد الجليل سليمان

تونس وسيفتلانا وكمال والطيب


رغم أن انطلاق مؤتمر الحوار الوطني حدثاً مهماً يكسب الساحة السياسية زخماً وحراكاً ينعكسان بالضرورة على أداء وسائل الإعلام خاصة الصحف، إلا أنني – وكثير – من زملائي، لم ننشغل به، لأن خبرتنا في قراءة مآلات هذا النوع من الحوارات (غير الجدية) تجعلنا نتعرف على نتائجة قبل إعلانها.
ليس هنالك من جديد، فالأمر لا يعدو محض اجترار لذات الأسلوب العقيم الذي تدار به مثل هذه الحوارات المسماة (وطنية)، وهي في واقع الأمر لا تستهدف إيجاد حلول جذرية لأصل وأس الخلافات القائمة، حيث تحاول جميع القوى السياسية المُشارِكة أو المُقاطِعة تحقيق مكاسب حزبية آنية، من العسف وسوء التقدير أن نصفها بالوطنية.
على أي حال، فالنتائج ستظهر قريباً، وسنرى ما الجديد الذي سينجم عنه الحوار الوطني، إلاّ أن كل المؤشرات تنبئ عن أن ليس ثمة جديد، وها هو الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل (فرع الوطني)، يحمل على كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي (فرع الوطني) حملة (دفتردارية) إذ وصفة بأنه يلعب أدواراً قذرة من أجل إفشال الحوار بإيعاز من رئيسه (حسن الترابي)، فيما عدّ غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح الآن (فرع الوطني) الأمر كله لم يقم على أسس سليمة.
وعليه، فإذا كان الخلاف بين (فروع) الحركة الإسلامية حول هذا المؤتمر بلغ هذه الدرجة من الحدة وتوسل لغة متدنية للتعبير عنه، فإنه من غير المؤمل أن يحقق تقدماً مع من هم في (النقيض) تماماً، لذلك كله، ولأسباب وتفاصيل أخرى، علينا أن نقرأ (الفاتحة) ونختم.
لكن قبل ذلك، ينبغي أن نشير إلى أمرين مهمين، ربما نستخلص منهما الدروس والعبر، كونهما تجربتين إنسانيتين جديرتين بالاهتمام، أولهما فوز اللجنة الرباعية الراعية للحوار الوطني في تونس والمكونة من قوى مدنية ونقابية تتمثل في (الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة المحامين)، بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وأرجع بيان لجنة نوبل، منح الجائزة للرباعية إلى مساهماتها ودعمها لعملية بناء الديمقراطية بتونس عندما كانت البلاد معرضة لخطر الانهيار.
فيما فازت الكاتبة والصحفية البيلاروسية سيفتلانا ألكسيفيتش بجائزة نوبل للآداب، وهي أول صحفية وكاتبة سياسية تفوز بالجائزة، وقد عرفت ألكسيفيتش بانتقاداتها لحكومة بلادها، ومن أشهر اعمالها (أصوات من تشيرنوبل)، دونت فيها التاريخ الشفاهي للكارثة النووية في عام 1986، و(أولاد في الزنك) وهي شهادات مباشرة من الحرب السوفياتية الأفغانية. وقال بيان الأكاديمية السويدية: “لقد عمقت ألكسيفيتش فهمنا لمجمل هذه الحقبة عبر وسائل منهجها الاستثنائي، بصنعها بعناية كولاج من الأصوات البشرية”. وقد عملت صحفية لعدة سنوات قبل أن تنشر كتباها الأول “وجه الحرب غير النسوي” في عام 1985.
فهل يا ترى يتعلم السياسيون السودانيون الذين هم على نهج (كمال عمر) من (رباعية تونس) ومن أحزابها بما فيهم (النهضة)، وهل يتعلم الكتاب والصحفيون الذين هم على نسق (الطيب مصطفى) من (سيفتلانا ألكسيفيتش).