الطيب مصطفى

الوالي والاستقالة المستحيلة


قد يدهش البعض أن أخرج من مضمار السياسة وأجوائها المحتدمة بالصراع والاحتقان، خاصة في هذه الأيام التي نخوض فيها صراعاً سياسياً كبيراً حول الحوار الوطني، ولكن صدقوني أن ما أتناوله الآن لا يقل خطراً عما انصرفت عنه بهذا المقال، سيما وأن كرة القدم أضحت شأناً وطنياً يحضر منافساته رؤساء الدول الكبرى، بعد أن علت مكانةً وشأواً، وصار نجومها أكثر شهرةً من زعماء دولهم، فمن منكم يعرف رئيس الأرجنتين التي يحتل نجمها ليونيل ميسي – مثلاً رغم تعليمه المتدني – شهرةً هي الأعلى في العالم أجمع، ليس بين لاعبي كرة القدم إنما بين الناس جميعاً سياسيين وغيرهم، فكم من أطفال العالم مثلاً يعرفون أوباما، ولكن من منهم لا يعرف ميسي إن لم يرتد قميصاً يحمل اسمه وصورته؟.
أقول هذا، رغم انتمائي القديم لفريق الهلال، بين يدي استقالة السيد جمال الوالي من رئاسة نادي المريخ ولا يحق للمشغولين بساس يسوس أن يعلقوا ساخرين: (الناس في شنو وإنتو في شنو)، ذلك أن استقالة الوالي تعتبر شأناً وطنياً يتجاوز السياسي الضيق إلى الوطني والقومي الواسع، فقد كان فريق المريخ قبل أيام قليلة قاب قوسين أو أدنى من بلوغ بطولة الأندية الأفريقية، بعد أن نافس بجهود الوالي الإدارية والمالية، ولا أحد غيره، وأكرر لا أحد غيره، في نصف النهائي ولا أبخس الآخرين ما قدموا، لكن شتان شتان بين ما فعل ويفعل جمال الوالي وما يفعله الآخرون.
لأول مرة في تاريخه يصل المريخ إلى المنافسة في نصف نهائي بطولة الأندية الأفريقية، في وقت يشهد السودان فيه تراجعاً في شتى المجالات الأخرى.
زرتُ جمالاً ربما للمرة الثانية في حياتي قبل نحو شهر أو أقل، فوجدت صالونه مكتظاً باللاعبين، وكان أكثرهم من المحترفين الأجانب، وتحدثنا قليلاً فاكتشفت جهلي المريع بما يجري في عالم كرة القدم، مما ملأني ثقةً أن الرجل اكتسب خبرةً لا يجوز أن يفقدها المريخ ليتراجع مائة خطوة إلى الوراء.
علمتُ رغم عدم مناقشة الأمر معه عن أسباب إصرار جمال هذه المرة على الاستقالة، وأظن أن الرجل أرهق من تحمله لوحده عبئاً لا يحتمله إلا العصبة أولي القوة من الأثرياء ذوي الاستعداد للبذل والعطاء، وهذه مشكلة تحتاج إلى حلٍّ، ذلك أن كرة القدم ما عادت لعبة للهواة كما كانت أيام أمين زكي ومنزول وسبت دودو وماجد من العمالقة الذين إن عاشوا هذه الأيام لكانوا ضمن محترفي الكرة العالمية.
في العالم أجمع بل حتى على مستوى الأندية العربية والأفريقية لا يتحمل رئيس النادي موازنة فريقه إنما هناك استثمارات تبذلها الدولة وتمولها وهذا أمر يقتضي أن ينظر فيه الوزير اليسع مع والي الخرطوم ورئيس الجمهورية الذي يعلم تماماً أن فريقي الهلال والمريخ ليسا فريقين خرطوميين، إنما مؤسستان وطنيتان وقوميتان، بل هما من أهم ممسكات الوحدة الوطنية، فالولاء لهما ولاء للوطن ومن شأن بدتطورهما وبلوغهما مصاف الأندية العالمية أن يرفع اسم السودان الذي يحتاج إلى ذلك في زمن أصاب سمعته ومكانته الكثير من التشويه.
أثق في أن والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم والوزير الشاب اليسع سيرفضان استقالة جمال الوالي، ويجلسان معه لمعالجة المشكلات التي تواجه نادي المريخ ونادي الهلال، ولا أستبعد أن يكون جمال محبطاً بعد أن منى نفسه بتحقيق نصر للسودان وللمريخ ما حال دون تحقيقه إلا بعض العقبات التي استعصت على إمكاناته رغم الدعم الهائل والسخي الذي قدمه بدون منٍّ ولا أذى.


تعليق واحد

  1. باكر مقالك خليه عن من يكون رئيس اتحاد الفانين لكن ديل مفلسين ما بدفعوا