الطاهر ساتي

زورق الميري


:: ومن القصص الرمزية في سوء الإدارة، تم تنظيم سباق للتجديف بين المنتخبين العربي والياباني..وبأن يكون بكل قارب خمسة أشخاص..انطلق السباق، فانتصر الفريق الياباني بفارق زمني مذهل..عند تحليل الأسباب، كشف المحلل بأن قارب المنتخب الياباني يتكون من مدير القارب وأربعة مجدفين، بيد أن قارب العرب كان يحمل على متنه السادة : وزير القارب، وزير الدولة بالقارب، وكيل القارب، الخبير الوطني للقارب، ثم مجدف واحد فقط لاغير..ولاحقاً، تم تشكيل لجنة تحقيق عربية لمعرفة أسباب الخسارة، فحققت اللجنة ثم أوصت بشطب المجدف..!!
:: وهكذا تُدار الخدمة المدنية في بلادنا، ترهل بلا إنجاز و تكدس بلا إنتاج و زحام من أجل مزايا الوظيفة وليس لخدمة الناس والبلد.. والمدهش، عندما يفكرون في هيكلة وحدة حكومية مترهلة فإنهم يشردون الكفاءة المنتجة، وبعد عام يفتحون فرص التوظيف لترهل آخر في ذات الوحدة..ولعلكم تذكرون، في يناير الفائت، أي في مناخ ما قبل الإنتخابات، بضغط من اتحاد عمال السودان، وبلا دراسة لآثاره الإقتصادية والإجتماعية السالبة، وبلا أي معايير تصطحب الكثافة السكانية ونسبة شبابها، تم رفع سن التقاعد للعاملين بالدولة إلى (65 عاما)..!!
:: واليوم، أي بعد أشهر من قرار الإبقاء على التكدس والترهل لخمس سنوات أخرى، تبشر المفوضية القومية للإختيار للخدمة المدنية الناس والبلد بتكدس آخر و ترهل جديد..تم تخصيص أكثر من (6.000 وظيفة) لإستيعاب الخريجيين بالوزارات والمؤسسات الإتحادية، و أكملت اللجان من تهيئة (24.000 وظيفة)، بالولايات، هكذا الخبر بصحف البارحة.. يبدو مفرحاً، ولكنه ليس كذلك، بل محزن للغاية ويعكس قصر نظر سياسة الدولة..لماذا كل هذه الوظائف بالخدمة العامة؟، وهل المواطن – صاحب الخدمة – بحاجة إليها؟، وهل هي وظائف للإنتاج والخدمات ..؟؟
:: والإجابة ليست بحاجة إلى كثير تفكير، بل قالها الأمين العام للمفوضية بالنص الصريح : ( نحرص على إستيعاب أكبر عدد من الخريجين بالخدمة المدنية بغرض توفير فرص العمل وتقليل البطالة بالسودان)، تلك هي الغاية العظمى من ال (30.000 وظيفة) بالخدمة المدنية.. إستيعاب أكبر عدد من الشباب لتقليل البطالة، وليس لحاجة خدمات الناس إلى (أكبر عدد)..سياسة تحويل الخدمة المدنية إلى ديوان زكاة – صرف بلا إنتاج أو خدمة – ليس حلاً للقضايا الإقتصادية التي منها (البطالة).. هذا التحويل نوع من تخدير تلك القضايا لحين ( الإنفجار)..!!
:: الدولة المعاصرة هي التي تكتفي أجهزتها الحكومية – الرشيقة – بالدورين الرقابي والإشرافي فقط لاغير..ثم تفسح مواقع الإنتاج والخدمات لشركات المجتمع، لتبدع وتنتج وتخدم وتنهض بالمجتمع والبلد..ولكن الحكومات التي من شاكلة حكومتنا هذه هي التي تكبل القطاع الخاص بقيود الضرائب والأتاوات وكل أنواع الحرب على الاستثمار، وتتمدد هي – بأجهزتها الكسولة وخدمتها المدنية المترهلة- على كل مفاصل الإنتاج والخدمات، ويكون الحصاد دائماً الترهل و الفساد و رداءة الخدمات..ليس بحشد زورق الميري بغير المجدفين، بل بتحرير الإقتصاد لحد المنافسة وجذب الإستثمار لحد التصدير تحرر الدول عقول وطاقات شبابها – من الرق المسمى بـالوظيفة الحكومية – ثم تنهض ..!!